{فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاِتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى} (٧) الليل [٥ - ٧] يحتج به من يرى الأعمال الصالحة أمارة على السعادة محصلة للظن بذلك، وكذلك الأعمال الفاسدة على الشقاوة؛ لأن هذا وعد من الله-عز وجل-أنه ييسر كلا لمناسب عمله، ووعد الله-عز وجل-واقع لا محالة.
والآخرون قالوا: الأمارة قد تخلف، والوعد قد تعلق بالمشيئة في نفس الأمر فلا يلزم وقوعه، وقوله صلّى الله عليه وسلّم:«يعمل أحدكم بعمل أهل الجنة-إلى قوله-: «وإنما الأعمال بالخواتيم»(١) قاطع في الباب فلا يترك لغيره، ولو صح ما قاله الأول لكان أسعد الناس/ [٤٤٥/ل] إبليس وبرصيصا وبلعام ونحوهم ممن مكر به في آخر أمره.
{إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى}(١٢)[الليل: ١٢] يحتج به المعتزلة؛ لأنه-عز وجل-التزم الهدى على نفسه فلا يضل أحدا، وإنما الناس يضلون أنفسهم.
وجوابه أن الذي التزمه هدي الإرشاد والهداية لأهدى العصمة والرعاية، ثم إن هدي الإرشاد واجب منه لإقامة الحجة وتحقيق العدل لا واجب عليه، إذا قدمنا أنه-عز وجل -لا يجب عليه شيء.
{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى} (١٨) اليل [١٧ - ١٨]، احتج بها الجمهور على أن أبا بكر-رضي الله تعالى عنه-أفضل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ لأنها نزلت في شأنه وقد وصف بأنه الأتقى، وينتظم الدليل هكذا: أبو بكر أتقى، والأتقى أكرم، والأكرم أفضل، أما الأولى فلهذه الآية، وأما الثانية فلقوله-عز وجل-: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(١٣)[الحجرات: ١٣] وأما الثالثة: فبيّنة.
وأجابت الشيعة [لعنهم الله]: بأنا لا نسلم أنها نزلت في شأن أبي بكر، وما رويتموه في ذلك آحاد ضعيفة لا يعتمد عليها، وظاهر الآية وسياقها تعميم الأتقى في كل من اتصف بالأفضلية في التقوى؛ لأن الله-عز وجل-قد عمّم على ذلك قوله-سبحانه وتعالى-: