{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ}(٢)[ق: ٢] سبق القول في أول سورة يس وغيرها.
{أَإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}(٣)[ق: ٣] هذه شبهة منكري البعث من الكفار وتقريرها: أننا بالموت نصير/ [٣٩٤/ل] ترابا، والتراب استحال أن يرجع بشرا سويا، فنحن نستحيل أن نرجع بعد الموت بشرا كما كنا.
والجواب: ما أشار الله-عز وجل-إليه بقوله-عز وجل-: {قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ}(٤)[ق: ٤] وتقريره أن يقال: أما قولكم: إنا نصير بالموت ترابا؛ فصحيح، وأما قولكم: التراب استحال أن يرجع بشرا سويا؛ فباطل ممنوع، بل هو ممكن، وبيان إمكانه أن الإنسان ينحل بدنه بعد ما تنقص الأرض والبلى منه إلى جواهر حافظة لصورها باقية، ونحن نعلم أعيان تلك الجواهر وأماكنها من الأرض ومن بدن الإنسان، فنحن نؤلف تلك الأجزاء بعضها إلى بعض بعلمنا وقدرتنا، ثم ننشئ عوضا عما نقصت الأرض منه، ثم نعيده بشرا سويا، وهذا أمر ممكن لا ينكره العقل ولا يقصر عن إدراكه، وإنما ضل هؤلاء من حيث الجهل، إذ نزلوا الممكن البعيد عنهم منزلة المستحيل في نفسه، فاختلط عليهم الحق بالباطل والصواب بالخطأ.
{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}(٥)[ق: ٥] أي: مختلط، وينتظم الدليل هكذا: الجسم ينحل إلى جواهر معلومة المحال، وكل ما كان كذلك أمكن إعادته، فالجسم أمكن إعادته، والأولى ثابتة بهذه الآية، والثانية واضحة على ما قررنا، ولنضرب لبعث الأجساد أمثلة تقربه:
أحدها: أن الأرواح كطيور فارقت أبراجها وأقفاصها وانهدم البرج بعد مفارقتها، فإذا أريد عودها إليه أعيد عامرا ثم عادت إليه.
الثاني: / [١٩٠ أ/م] أن الناس في حياتهم وموتهم وبعثهم كقوم تجردوا عن ثيابهم ثم صاح بهم صائح لأمر مهم، فبادر كل منهم إلى ثوبه فدخل فيه ثم أجاب، والجسد كالثوب، وقد بينا إمكان إعادته وأنه سيعود.
الثالث: أن الجسم كعقد انقطع سلكه، فإذا أريد إعادته منظوما التقط حبه من مواضعه ثم نظم في سلكه.