{إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ}(١)[المنافقون: ١] أي في دعواهم اعتقاد رسالتك والشهادة بها، لا في قولهم: إنك رسول الله. وقد سبق تقريره.
ويحتج به من يرى أن الكلام معنى قائم بالنفس؛ لأن تكذيبهم راجع إلى أمر قام بنفوسهم، لا إلى ما ظهر على ألسنتهم، والتكذيب من لواحق الخبر الكلامي، فدل على أن ما قام بنفوسهم كلام.
ويجاب بأنا لا نسلم أن التكذيب راجع إلى معنى قام بنفوسهم، بل إلى دعواهم ظاهرا أو اعتقاد الرسالة باطنا، فما رجع التكذيب إلا إلى خبر لساني لا نفساني.
٣] قد يظن ظان أن الإيمان جزء علة الطبع على قلوبهم، وليس كذلك، بل كفرهم المستعقب لإيمانهم هو علة ذلك.
{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتّى يَنْفَضُّوا وَلِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}(٧)[المنافقون: ٧] فيه إشارة إلى ترك ملاحظة الأسباب الظاهرة وتعلق الآمال بما في الغيب من الخزائن الإلهية، لا أقول قطع الأسباب بل ترك الاعتماد عليها، والناس إما متعاط للأسباب معتمد عليها محجوب بها عن المسبب، وهم العامة، أو لا متعاط لها ولا معتمد عليها، بل حجب عنها برؤية مسببها- عز وجل-وهم الخاصة، أو متعاط لها غير معتمد عليها وهو شبيه بمن قبله، وربما سمي متوكلا، أو معتمد عليها غير متعاط لها، وهو الكسلان المتمني الأماني.
{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}(١١)[المنافقون: ١١] فيه انحتام الآجال فلا تأثير فيها لغير الكبير المتعال؛ خلافا لما مر عن أهل الاعتزال.