{هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}(١)[الإنسان: ١]، قيل: معناه قد أتى، وهو ضعيف، بل معناه: هل تسلمون وجودكم بعد عدمكم أو نقرره عليكم بالبرهان، ثم قد برهن على ذلك بعد على تقدير منعهم لما ذكر بقوله-عز وجل-:
{إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً}(٢)[الإنسان: ٢] وهو قاطع في ابتداء خلقه بعد أن لم يكن، وقد سبق الكلام في:{إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً}(٢)[الإنسان: ٢] في أول مري. / [٤٣٨/ل].
{إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً}(٣)[الإنسان: ٣] إشارة إلى أن الحكمة في خلق الإنسان ابتلاؤه واختباره هل هو يطيع فيثاب أو يعصي فيستحق العقاب؟ فإن قيل: ما مقدار الإنسان حتى يبتلى ويختبر ويخاطب هذا الخطاب العظيم؟ وما فائدة ابتلائه بعد علم الله-عز وجل-بما سيكون منه؟
قلنا: هذا وراءه أسرار غريبة موضع ذكرها في غير هذا العلم، والمفزوع إليه هاهنا {لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ [وَهُمْ يُسْئَلُونَ]}(٢٣)، وهو المتصرف بحق ملكه الأكمل.
{إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً}(٣)[الإنسان: ٣] أي أرشدناه إلى طريق الحق والسلامة، والسؤال الجواب هاهنا كما قلنا في «ثمود»{وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}(١٧)[فصلت: ١٧] ثم هذه السورة تضمنت إثبات العذاب والنعيم الحسيين.
{عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً}(٦)[الإنسان: ٦] قيل: يشرب منها على إبدال بعض الحروف ببعض، والأشبه أنه من باب التضمين أي: يروى بها، ضمن يشرب معنى يروى؛ لأنه أبلغ وأخص من يشرب، ثم اعتبر حرف التعدية بالفعل المضمن تنبيها عليه؛ ومثله قول عنترة: