{الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ} (٣)[الرحمن: ١ - ٣] يحتج به من يرى القرآن المسموع قديما؛ لأنه-عز وجل-لما خص الإنسان بالخلق والقرآن بالتعليم دل على ذلك؛ وإلا لقال: خلق القرآن.
وأجاب الخصم بأن هذا لا يلزم؛ لأن الإخبار إنما تعلق بتعليم القرآن لا بخلقه، والتعليم قد يتعلق بالمخلوق، بل ربما اختص تعلقه بالمخلوق نحو:{وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(١١٣)[النساء: ١١٣] كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون، وبالجملة فالاستدلال هاهنا بالمفهوم أو نحوه، وهو دليل لين.
{عَلَّمَهُ الْبَيانَ}(٤)[الرحمن: ٤] اعلم أن البيان قد قيل في حده: إنه إخراج المعنى من حيز الخفاء إلى حيز التجلي، وقيل فيه غير ذلك، وأجود ما يقال فيه: إنه/ [١٩٦ أ/م] إيضاح المعنى الخطابي، أو ما قام مقامه بحيث لا يخلق سامعه لبس، ولا يحتاج في فهمه إلى تخمين وحدث، وربما استغنى عن هذا الأخير وهو لا يحتاج إلى آخره.
وقولنا: ما قام مقامه يعني: كالكتابة، فإنها تقوم مقام الخطاب في البيان، وكذا الإشارة ونحوها.
ويحتج به النحاة والمنطقيون على شرف علمهم؛ لأن كل واحد من النحو والمنطق بيان، والبيان ممدوح في القرآن، فالنحو والمنطق ممدوحان في القرآن.
أما الأولى: فلأنه لا يشك من له أدنى فهم أن النحو والمنطق آلتان لإيضاح المعاني.
ومن ثم سمي النحو علم «الإعراب»؛ لأن الإعراب البيان والمنطق آلة لبيان صحيح الأدلة من فاسدها، ويوضح الحق من الباطل.
وأما الثانية: فلهذه الآية، إذ دلت على الامتنان على الإنسان بتعليم البيان، ولا يقع الامتنان إلا بنعمة، وبما هو شريف ممدوح، وقد بسطت القول في هذا/ [٤٠١٧/ل] في كتاب «رفع الملام عن أهل المنطق والكلام».