{فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} (١٧) الليل [١٤ - ١٧] فكما أن الأشقى عام في كل من كذب وتولى لا يخص أحدا بعينه. كذلك الأتقى الذي قوبل به يجب أن يكون عامّا في كل من تزكى بماله ابتغاء وجه ربه الأعلى، ثم إن العام لا دلالة له على الخاص، فلا دلالة للآية على خصوص أبي بكر ولا غيره، بل معناها أن كل من اتصف بهذه الصفة المذكورة جنب النار التي تلظى، ويحتاج تفضيل أبي بكر وغيره إلى دليل غير هذا.
ثم قوله-عز وجل-: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلّى} (١٦)[الليل: ١٤ - ١٦] يحتج به المرجئة في أن لا يدخل النار إلا كافر كما سبق عنهم في سورة «تبارك الملك»، بل هذه أدل على ذلك؛ لأنه-عز وجل-حصر من يدخلها في الأشقى المكذب بالنفي والإثبات/ [٢١٦ ب/م] ولا شك أن قولنا: لا يدخل النار إلا كافر، أقوى دلالة من قولنا: كلما دخل النار داخل اعترف بالكفر.
ويجاب بأن النار دركات، نحو: جهنم ولظى وسقر والحطمة وغيرها، فهذه النار التي تعين لها الكافر الأشقى واحدة خاصة منها، والأشبه أنها لظى لوصفها بأنها تلظى، ولا يلزم من تعين الكافر لنار معينة أن لا يدخل غيرها، فعصاة المؤمنين يدخلون غير هذه، ثم يخرجون [ويعترض عليه بأنه يلزمكم في:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}(١٧)[الليل: ١٧] وأنه يجنب هذه النار المعينة، ولا يلزم منه أن يجنب غيرها فلا يكون مدحه والوعد له كاملا، لكن ذلك خلاف مقتضى سياق الكلام، فتعين أن الكلام في مطلق النار يجنبها الأتقى، ويتعين لها الكافر الأشقى، وهذا اعتراض قوي، ] وطريق الانفصال عنه أنه استدلال على كل حال فلا يعارض العمومات والنصوص القاطعة من الكتاب والسنة والإجماع، على أن عصاة المؤمنين/ [٤٤٦/ل] يدخلون النار بذنوبهم، ثم يخرجون بإيمانهم.