(٥٢)[الشورى: ٥٢] سمى الوحي والقرآن روحا؛ لأنه سبب الروح والرحمة، ولأنه للقلوب كالروح تحيا به، أو تسمية له باسم الروح الأمين النازل به.
{وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}(٥٢)[الشورى: ٥٢] [زعم قوم أخذوا بظاهر هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان قبل أن يوحى إليه غير مؤمن، كما قال:{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى}(٧)[الضحى: ٧] وهذا صعب شديد أن يقال فيه صلّى الله عليه وسلّم]-مع قوله:«كنت نبيا وآدم بين الماء والطين»(١) وأنه حين ولد خرّ ساجدا مشيرا بأصعبه إلى السماء، وأنه لم يزل كارها للأصنام مبغضا لها قبل النبوة، لم يحلف بها ولا أكل مما ذبح لها، وإجماع الناس على أن نبيا من الأنبياء لم يكفر بالله ولا خلا من الإيمان به طرفة عين.
[قالوا: يجب تأويل الآية على ما يزيل عنها هذا المحذور، مثل] المراد: ما كنت تدري ما الكتاب ولا ماهية الإيمان وحقيقته، ولا يلزم من كونه مؤمنا معرفة ذلك، بدليل أن أكثر الناس هم كذلك. [أو: ما] كنت تدري ما الكتاب ولا كيفية الدعاء إلى الإيمان؛ إذ كيفية دعاء الناس إلى الإيمان إنما يعلم بالوحي، فقبل الوحي من أين يعلم، ولا يلزم من كون الإنسان مؤمنا في نفسه أن يدري كيف يدعو أو إلى ما يدعو غيره، لجواز أن يتعبد الله-عز وجل- كل إنسان بأمر غير ما يتعبد به الآخر، كما اختص النبي صلّى الله عليه وسلّم بخواص تعبد بها لم تكن لغيره.
{نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ}(٥٢)[القيامة: ٥٢] يحتج به الجمهور لإضافة الهدى إليه-عز وجل-وتخصيصه بمن شاء، وعند المعتزلة الهدى منسوب إلى الخلق يهدون أنفسهم.
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}(٥٢)[الشورى: ٥٢] أي ترشد، وهذا الهدى غير الهدى المسلوب في قوله-عز وجل-: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(٥٦)[القصص: ٥٦] فلا يتناقض هذا الإيجاب مع ذلك السلب.