ومن ثم رجع إبليس إلى أصله في الخفة والطيش، ورجع آدم إلى أصله في الثبات والرزانة، فقال:{قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}(٢٣)[الأعراف: ٢٣] فاعترف؛ فعرف واستغفر؛ فغفر له، فما لم يفعل ذلك / [٧٠/ل]؛ دل على أن لا ارتباط للأحكام إلا بالنصوص والظواهر.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(٢٧٧)[البقرة: ٢٧٧] قد تكرر هذا في القرآن كثيرا، ويحتج به من يرى الإيمان مجرد التصديق، وأن الأعمال ليست ركنا للإيمان بل أثرا من آثاره خلافا للجمهور من المحدثين وغيرهم.
حجة الأول: أنه عطف العمل الصالح على الإيمان والعطف يقتضي التغاير، فالإيمان غير الأعمال، وأجاب الآخرون بأن هذا من باب عطف الخاص على العام كالصلاة الوسطى على الصلوات، وجبريل وميكائيل على الملائكة، ولا ينافي ذلك كون الخاص من العام، وهذا ضعيف؛ لأنا لو اقتصرنا على الملائكة فهمنا جبريل وميكائيل وهاهنا لو اقتصرنا على الإيمان لم نفهم العمل الصالح إلا على دعوى الخصم ويعود النزاع.
{وَاِتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(٢٨١)[البقرة: ٢٨١] أي كل نفس مكلفة، أو كل نفس منكم ليخرج من العموم من ليس بمكلف، كالصبيان والمجانين والبهائم ونحوهم، فالعموم مخصوص بهم.
{وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً}[البقرة: ٢٨٢] عام مطرد.
{وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا}[البقرة: ٢٨٢] عام خص منه ما إذا أبى لمرض أو خوف أو كونه مكرها على تحملها بالباطل، أو كان عبدا تحملها بلا إذن سيده، ومنعه من السعي للأداء.
وذهب بعض الأئمة إلى عدم أهلية العبد للشهادة/ [٣٤ أ/م] بهذه الآية، لأنه مأمور بالسعي للأداء، وذلك يبطل حق السيد من خدمته ومقتضى هذا أنه عن تحملها بإذن السيد جاز أن يسعى للأداء، ودخل في عموم {وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ.}
{وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ}[البقرة: ٢٨٢] أمر إرشاد، وذهب بعض الظاهرية إلى أنه أمر وجوب قطعا للتنازع وصيغة «افعل» ترد بمعان: منها الإرشاد والإباحة والتكوين