عليه لا غير، وبيانه أن الله-عز وجل-لما أثنى على موسى-عليه السّلام-قال:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً}(٦٩)[الأحزاب: ٦٩] وقال في عيسى-عليه السّلام- {إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ}[آل عمران: ٤٥] وهذا الثناء أبلغ، فالمثنى عليه به أفضل، ولأن موسى ذو آية، وعيسى في نفسه آية، وموسى كليم، وعيسى روح [وقد علم أن ذلك إنما هو] بمجرد الإضافة، ولأن موسى حين يستشفع الناس به في الموقف يذكر ذنبا يمتنع به من الشفاعة، وعيسى لا يذكر ذنبا، ولأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم أفضل الأنبياء، وعيسى أقرب إليه، والأقرب من الأفضل أفضل، وقد يعارض هذا كله بأن مكان موسى من السماء أرفع من مكان عيسى كما صح في حديث المعراج (١) وليس بقاطع في كونه أفضل؛ لاحتمال أن ذلك لكون عيسى على عزم النزول إلى الأرض كما يكون الجالس في التشهد الأول غير متورك بل كأنه على الرضف مستوفزا لكونه على عزم النهوض، أو لغير ذلك من الأسرار؛ ولأن الإجماع على أن جبريل أفضل الملائكة مع أن فوقه في المكان خلقا كثيرا منهم، وبالجملة/ [٨٣/ل] فارتفاع المكان لا يدل على ارتفاع المكانة.
{وَيُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ}(٤٦)[آل عمران: ٤٦] هذه من آيات عيسى، والكلام على أصل أهل السّنّة مخلوق لله-عز وجل-كسائر الأفعال؛ فجاز أن يخلقه على لسان الطفل وغيره، والذين تكلموا في المهد: عيسى وصاحب جريج وابن صاحبة الأخدود، وابن المرأة الذي رأى امرأة تضرب فقال: اللهم اجعلني مثلها، ورأى رجلا ذا يسارة فقال: اللهم لا تجعلني مثله. وشاهد يوسف عليه السّلام على خلاف فيه، (٢) وهذه من مسائل النبوات من المعجزات.