عز وجل-وبه كان إلها عندهم، قالوا: لأن «من» للتبعيض وقد أخبر أن المسيح روح منه وهو المسمى روح القدس، وهو صفة الله القديمة يعني حياته، وهي أحد الأقانيم القديمة الثلاثة.
والجواب أن «منه» هاهنا لابتداء الغاية لا للتبعيض كقوله-عز وجل-: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(١٣) / [١٢٤/ل]) [الجاثية: ١٣] أي ابتداؤه منه ومن فضله، وكذلك {يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً}(١٧١)[النساء: ١٧١] أي الله-عز وجل-مبدأ هذا الروح خلقا، لئلا يظن قدمه، ولو كان روح المسيح هو حياة الله-عز وجل-لكان إما جميع روحه أو بعضه فإن كان الأول لزم بقاؤه بعد انتقال حياته إلى المسيح بلا حياة؛ فيكون قد مات الأب لحياة الابن، وأنه محال، وإن كان الثاني لزم تبعيض حياة الله-عز وجل-وهو محال لوجهين:
أحدهما: أنها صفة فلو تبعضت لكانت جسما، وذلك/ [٥٩ أ/م] انقلاب الحقائق، إذ صارت الصفة ذاتا.
والثاني: أن الحياة صفة بسيطة، فلو تبعضت لزم انقلاب البسيط مركبا، وأنه محال.
الخامس:{فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ}[النساء: ١٧١] أي اعتقدوا المسيح رسولا.
كسائر الرسل، ولا تعتقدوه إلها؛ لأن ذلك غلو في الدين، كما ذكر في صدر الآية.
السادس:{وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ}[النساء: ١٧١] هو نهي لهم عن التثليث، ومعناه عندهم أن الله-عز وجل-جوهر، ذو ثلاثة أقانيم، وعنوا بالجوهر القائم بذاته الغني عن محل يقوم به أو يقومه، وبالأقانيم الصفات، أو القوى، وهي كونه موجودا ناطقا حيا، فأقنوم الوجود سموه أبا، وأقنوم النطق سموه ابنا، وهو الكلمة المسيحية، وأقنوم الحياة سموه روح القدس.
قالوا: فقولنا: الأب والابن وروح القدس [كقول المسلمين: الله الرحمن الرحيم، ثم إنهم زعموا أن كل واحد من الأب والابن وروح القدس إله] كامل بالحد والحقيقة، وأنهم مع ذلك ليسوا ثلاثة آلهة [في خبط كثير وتخليط] غزير منه ما لا يعقل، ومنه ما لا تساعده