وقوله-عز وجل-في بني آدم {*وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً}(٧٠)[الإسراء ٧٠] ولم يقل: على جميع من خلقنا، مع أن بني آدم فضلوا على من سوى الملائكة فلم يبق أحد ينبغي أن لا يكونوا فضلوا عليه إلا الملائكة، ثم قوله صلّى الله عليه وسلّم حكاية عن الله-عز وجل:«من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم» تصريح بأن الملائكة أفضل من بني آدم، ويتناول عموم الأنبياء.
وأما النظر فلأن الملائكة رسل الله-عز وجل-إلى [الأنبياء: بغير واسطة، ورسل الله بغير واسطة أفضل من رسله بواسطة، وأيضا فالأنبياء] للملائكة كالأمم للنبيين، والرسول أفضل من أمته، ولأن الملائكة معلمون والأنبياء متعلمون منهم، والمعلم المفيد أفضل من المتعلم المستفيد، والأدلة على هذا كثيرة، غير أنه مذهب المعتزلة والفلاسفة، والجمهور على خلافهم لوجوه:
أحدها: أن الأنبياء بهم قامت حجة الله-عز وجل-على خلقه، بخلاف الملائكة حتى قال الله-عز وجل-: {وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً.}
الثاني: أن الأنبياء في الدعاء إلى الله وإقامة حججه على خلقه أشد تعبا ونصبا لما جرى عليهم من التكذيب والأذى والثواب والفضيلة/ [١٢٦/ل] على قدر المشقة.
الثالث: أن آدم أبا البشر سجد له الملائكة، والمسجود له أفضل من الساجد، ثم في الأنبياء من هو أفضل من آدم-عليه السّلام-فهو أولى بأن يكون أفضل من الملائكة.
الرابع: أن الناس في الموقف إنما يستشفعون بالأنبياء في تخفيف الموقف عنهم لا بالملائكة، ولو كانوا أفضل من الأنبياء لكانوا أولى بالشفاعة.
الخامس: أن الأنبياء عبدوا الله-عز وجل-، ورضي عنهم مع معارضة الشهوة