عبد الله بن سلام:«إني لأعرف محمدا أشد مما أعرف ابني» قيل له: وكيف ذلك؟ قال:
«لأني أعلم أنه رسول الله بإخبار الله، ولا أعلم/ [٧٤ أ/م] ما تصنع النساء» ثم ينتظم من هذا حجة على كفرهم وتقريره أنهم كذبوا من علموا صدقه، وكل [من كذب] من علم صدقه فهو كافر، فأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم كفار، لكن هل أهل الكتاب عام مطرد، أو عام أريد به الخاص، وهم الأحبار، وأهل العلم منها، وهذا هو الأشبه لأن كثيرا من عوامهم وجهالهم/ [١٥٧/ل] لم يقرأ التوراة وغيرها من الكتب حتى يرى صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم فيها، إنما أخذ عن الأحبار تقليدا أن محمدا ليس مذكورا فيها باسم ولا صفة، فاعتقاد مثل هذا العامي جهل مستند إلى كذب، لكن القسمان تحت دائرة اللوم والوعيد، أما العالم: فلكذبه وكتمانه الحق، وأما العامي: فلتركه البحث وسؤال العلماء عن هذا الأمر مع عموم دعوة الإسلام، ووضوح برهانها، وهب أنه عذر لجهله، لكنه لا يعذر في ترك سؤال العلماء حتى يحصل له سكون النفس، إما بإثبات أو نفي.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}(٢٢)[الأنعام: ٢٢] هي ونظائرها حيث وقعت إخبارا عن البعث والمعاد والجزاء.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}(٢٥)[الأنعام: ٢٥] هذا إما على حقيقته على وجه يعلمه الله-عز وجل-أو كناية عما يخلقه في قلوبهم من دواعي المخالفة والصوارف عن متابعة الحق، وقد سبق القول في {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}(٧)[البقرة: ٧]، وهو من هذا الباب.
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ}(٢٦)[الأنعام: ٢٦] الأشبه أن المراد به عامة الكفار المشاقين للنبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا ينهون الناس عن اتباعه، وينأون أي: يبعدون عنه، فذمهم الله-عز وجل-على شدة نفورهم وتنفيرهم عن الحق، وقيل: المراد بها أبو طالب، كان ينهى عن أذى النبي صلّى الله عليه وسلّم وينتصر له بجهده، وهو مع ذلك ينأى أي يبعد بنفسه عن متابعته فذمه الله-عز وجل-على ذلك.
وقد اختلف الجمهور والشيعة في إسلام أبي طالب، ويأتي الكلام عليه-إن شاء الله عز وجل-في سورة القصص.