والصوارف. وذلك لأن الله-عز وجل-لما أراد بموجب علمه السابق هلاك الكفار ببدر ونصرة دينه ورسوله والمؤمنين-حرك قريشا على إرسال عيرهم إلى الشام مع أبي سفيان على عادتهم في التجارة، ثم حرك لأخذها النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من المدينة فأرصدوا لها على ماء بدر، فعلمت قريش، فتحركت لحفظ مالها، فجاءوا حتى التقى الجمعان بعدوتي بدر المذكورتين هاهنا.
كل ذلك بإرادة الله-عز وجل-وما خلقه في قلوب الفريقين من الدواعي والصوارف، ولولا ذلك لكانوا لو تواعدوا إلى هناك لاختلفوا في الميعاد؛ ليعلم أن لا مراد لله إلا كائن، ولا كائن إلا مراد.
فإذا شغب هاهنا ذو اعتزال حكم على/ [٢٠٩/ل] عقله عنه بالانعزال.
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ}(٤٣)[الأنفال: ٤٣] قيل: المنام هاهنا محل النوم وهو العين والرؤية، لذلك كانت يقظة، وقيل: المنام على ظاهره في أنه خلاف اليقظة فكان ذلك رؤيا لا رؤية. لكن رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم حق ووحي، فعلى كلا التقديرين يستدل بالآية على أن لله-عز وجل-أن يظهر الأشياء على خلاف حقائقها في نفس الأمر لحكمة، كما أظهر هاهنا قلة الكفار، وهم في نفس الأمر كثيرون لئلا يفشل ويتنازع المؤمنون. ثم لا يعد ذلك منه سبحانه وتعالى خطأ ولا كذبا ولا جهلا، ولا يعد بالكلية نقصا، بل يعد حكمة وحكما، {قَدِ اِفْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ}(٨٩)[الأعراف: ٨٩].