{قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ}(٣٣)[يوسف: ٣٣] تقتضي ألا عاصم من المعصية وغيرها إلا الله-عز وجل-وبقياس العكس وقواطع الأدلة: أن لا موبق فيها إلا الله-عز وجل- وذلك بما يقدر من أسباب العصمة أو الوصمة، ويخلقه من الدواعي والصوارف والهمة.
{قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ}(٣٧)[يوسف: ٣٧] الآيتين، يستدل بهما على، ترك الباطل واتباع الحق يورث التعليم من الله -عز وجل-لأن يوسف-عليه السّلام-علل تعليم الله-عز وجل-له تأويل الرؤيا بتركه ملة الكفار واتباعه ملة آبائه الأبرار، وتعليمه تأويل الرؤيا يحتمل أنه بالوحي على لسان الملك، ويحتمل أنه بالإلهام، أو بتحريك الفكر على النظر والاستدلال.
{يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ}(٣٩)[يوسف: ٣٩] استدلال من يوسف-عليه السّلام-على التوحيد لإرشاد أصحابه في السجن، فقد كان داعيا إلى الله-عز وجل-في كل حال من شدة ورخاء.
وتقريره: أن الله-عز وجل-رب واحد، والرب الواحد خير من الأرباب المتفرقين، أما الأولى فلما سيأتي إن شاء الله-عز وجل-من براهين التوحيد.
وأما الثانية: فلأن/ [٢٣٨/ل] / [١١٠ ب/م] أحكام الواحد متفقة، وأحكام المتفرقين متفرقة مختلفة، والاتفاق خير من الفرقة، وبالقياس على الشاهد أن الرعية مع ملك واحد أصلح حالا من ملوك، والعبد مع سيد واحد أحسن حالا منه مع جماعة سادة.
{ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(٤٠)[يوسف: ٤٠] يحتج به من رأى أن الاسم هو المسمى؛ لأنه المعبود لا الاسم، ولا حجة فيه كما سبق.
{وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}(٤٢)[يوسف: ٤٢] فيه أن علم التعبير علم مظنون، وقد يقطع بالتأويل بقرائن، أو اطراد عادة، ونحوه.