وكما قال يوسف عليه السّلام:{يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ}(٣٩)[يوسف: ٣٩] والظاهر أنه إنما أرشد إلى الله-عز وجل- بالطريق النظري الذي عرف به.
{قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(١١)[إبراهيم: ١١] أي ما ذكرتموه من أننا وإياكم بشر مسلم، لكن قولكم: لستم أولى بالرسالة منا-ممنوع، وقولكم: يلزم الترجيح بلا مرجح، قلنا: المرجح لنا عليكم منة الله-عز وجل-علينا دونكم.
فإن الله يمن على من يشاء من عباده دون بعض بإرادته واختياره وسابق علمه في خلقه، وأما الآية والمعجز؛ فموقوف على إذن الله-عز وجل-وأمره ليس إلينا بل هو يؤيدنا بذلك إذا شاء. واعلم أن هذا يوهم أن هؤلاء الرسل دعوا إلى الله-عز وجل- بلا معجز، ثم أحالوا بالمعجز على إذن الله-عز وجل-وليس كذلك لقوله-عز وجل- في صدر القصة:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنّا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}(٩)[إبراهيم: ٩] وهي الحجج والآيات الظاهرة، لكن لما عاندهم قومهم وطلبوا منهم آيات أخر عنادا، أحالوهم على إذن الله-عز وجل-وهو كذلك ردا لعنادهم.
فإن قيل: لعل البينات التي جاءت بها هذه الرسل بينات نظرية وهي الحجج الاستدلالية كقولهم: {*قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ}