وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢)[إبراهيم: ٢٢] يحتج به المعتزلة؛ لأن الشيطان في دار الحق، فلا يقول إلا حقا، وقد ألزم الكفار الملامة، فدل على أن سببها منهم.
وأجيب بأن سببها منهم كسبا لا خلقا، ويكفي كسبهم لها في توجيه اللائمة عليهم.
{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ}(٢٧)[إبراهيم: ٢٧] يحتج به الجمهور، وهو صريح في دعواهم نسبة إضلال الظالمين إلى الله-عز وجل-ويجيب المعتزلة بأنه إنما أضلهم بعد ثبوت ظلمهم المخلوق لهم عقوبة عليه، ويقال لهم: عندكم يمتنع منه أن يضل أحدا مطلقا؛ فإذا جاز أن يضلهم] [عقوبة جاز أن يضلهم ابتداء، أو يقال: لا نسلم أن ظلمهم مخلوق لهم بل هو كسب لهم لا غير، فهو أضلهم فظلموا، ثم زادهم ضلالا لما ظلموا، كل ذلك بحسب تصرفه وعلمه فيهم.
{*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ}(٢٨)[إبراهيم: ٢٨] إلى {وَجَعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النّارِ}(٣٠)[إبراهيم: ٣٠] يقتضي أن لله-عز وجل-على الكفار نعما يتمتعون بها، خلافا لمن منع ذلك، وقد سبق الخلاف فيه في الأعراف.
{وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ}(٣٤)[إبراهيم: ٣٤] إن جعل هذا عاما مطردا؛ لزم أن كل من سأل شيئا من جميع الخلق يكون قد أوتيه أو أعطي منه، ولا أرى هذا بتحقيق، فالأشبه أنه عام أريد به الخاص، وهو ما شاء الله-عز وجل-إيتاءهم إياه، فالتقدير إذن: آتاكم من كل ما سألتموه مما شاء يؤتيكموه، وصار هذا من باب {بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ}(٤١)[الأنعام: ٤١] مع عموم {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(١٨٦)[البقرة: ١٨٦] ونحوه.