الثاني: هب أنه من محل النزاع لكن منع من لزوم ما ذكرتم مانع، وهو أنه لو لزم ذلك لزم خلاف قاعدة عقلية، وهي أن الشرط لا يلزم من وجوده وجود [المشروط]، إنما يلزم من/ [١١٦ أ/م] عدمه [عدمه]، فتأثيره في عدمه لا في وجوده، وعلى ما ذكرتم كان يلزم من وجود بعض شروط الحكم وجوده وأنه باطل لما ذكرنا، ولاحتمال بطلان الصلاة والنكاح لتخلف شرط آخر، وإذا خصت قاعدة «الاستثناء من النفي إثبات» بقاعدة «الشرط العقلية» بقي حكم الاستثناء فيما عدا ذلك للدليل السالم عن المعارض، وبيان الآية المذكورة من هذا الباب أنه استثنى آل لوط من القوم المجرمين، ثم استثنى امرأته من آله كأنه قال: أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم، وهم قوم لوط إلا آل لوط فليسوا مجرمين، فنحن منجوهم إلا امرأته من آله، فإنها مجرمة فتهلك؛ فأثبت لها الإجرام والهلاك المنفي عن الآل، وهو استثناء مثبت من منفي، وهو المطلوب.
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاِتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَاُمْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}(٦٥)[الحجر: ٦٥] قد يقال: إنه عام خص بقوله-عز وجل-في سورة هود:
{قالُوا يا لُوطُ إِنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ اِمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}(٨١)[هود: ٨١] والحق/ [٢٤٨/ل] أن هذا ليس بتخصيص؛ لأن امرأته لم يكن مأمورا أن يسري بها، ولا كانت هي منهية عن الالتفات حتى تناولها الخطاب فتخص منه، إنما أمر بالإسراء بغيرها من أهله، لكن هي تبعتهم بغير إذن طمعا في النجاة، فقدر عليها أن التفتت، فهلكت، فصار التقدير: ولا يلتفت منكم أحد وإن امرأتك ستتبعكم وتلتفت؛ فتهلك، فهو خبر آخر لا تخصيص.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}(٧٥)[الحجر: ٧٥] قيل: هم المتفرسون؛ فيستدل به على صحة الفراسة واستعمالها والاعتماد عليها في بعض الأحكام، وهي الاستدلال بأمارات خلقية ظاهرة على أخلاق باطنة، كالاستدلال بشقرة اللون وزرقة العين على الشر، على ما اشتهر ونحو ذلك، وقد صنف الناس فيها كتبا كأرسطو ونحوه من القدماء، والإمام فخر الدين من المتأخرين وغيرهم.