إليه، لا حجاب عنه، وهل يقبل ذو عقل أن يقال: نائب السلطان في بلاده حجاب عنه، فلا حاجة إليه؟ إذ الأنبياء يسوسون العباد في أمر المعاش والمعاد كنواب الملك في بلاده.
وهب أن هذا المتصوف وشرذمة قليلة من أصحابه أمكنهم الوصول إلى الله-عز وجل-بلا واسطة لقوة رياضتهم واستعدادهم وقابليتهم، فالسواد الأعظم الذين لا يمكنهم ما أمكن هؤلاء يتركون على انقطاعهم وجهلهم من غير موصل ومعرف؟ ! هذا جهل عظيم من هؤلاء، وإنما هذا كمن له عبيد كثيرون سائرون في سفر عرض لهم بحر وفيهم نفر يسير عوامون، والباقون لا يعرفون العوم، فإن مكثوا انقطعوا وإن خاضوا غرقوا، فهل ينكر العقل أن يمدوا بعوامين أو ملاحين يقطعون بهم تلك اللجة/ [١١٧ أ/م].
{وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}(٧)[النحل: ٧] ربما ظن بعضهم أن المراد بهذا البلد مكة على الخصوص، وليس كذلك، بل عموم البلاد التي تحتاج فيها إلى الظهر، وتلحق المشقة دون بلوغها، وكيف ولعل الخطاب لأهل مكة وما حولها، ولا مشقة عليهم بالنسبة إلى بلوغها، لأنها دارهم وقرارهم.
{وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ}(٨)[النحل:
٨] احتج بها أبو حنيفة ومالك-رحمهما الله-على تحريم لحوم الخيل؛ لأنه-عز وجل- قرنها بما لا يؤكل، وهي البغال والحمير ونص على الحكمة في خلقها [٢٥٠/ل] في سياق الامتنان به، ولو كان في خلقها حكمة سوى الركوب، لاقتضى سياق الامتنان ذكرها كما قال في الأنعام:{اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ}(٧٩)[غافر: ٧٩] حتى عد لها خمس حكم، ولما لم يذكر لخلق الخيل سوى حكمة واحدة، صار كقوله: لا تنتفعوا من الخيل بغير الركوب، وهو نص في المطلوب.
أما الشافعي وأحمد-رحمهما الله-ومن تابعهما، فلما رأوا هذا الاستدلال لا يخرج عنه كونه بالمفهوم وهو لا يعارض المنطوق، رجحوا عليه السّنّة الصحيحة من حديث جابر (١) وأسماء: «نحرنا فرسا على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فأكلناه»(٢) ومثل هذا ظاهر إن لم يكن