حقا لعورض، ثم ظهرت معارضته وقد كان النضر بن الحارث يتعاطى أن يعارض القرآن بما كان عنده من أحاديث الفرس مثل بهرام وإسفنديار ورستم ونحوهم؛ فعجز وقصر، وإن كان المشار إليه غير سلمان، فهو إما عربي كرحمان اليمامة الذي زعموه، أو عجمي، فالأول باطل، إذ لو صح [ذلك] لكان هذا العربي يدعي الأمر لنفسه، وهو أولى بالعلم الذي عنده يجعله دليلا على نبوته، وما كان ليؤثر بذلك على نفسه أحدا، والثاني باطل، وإلا فقد كان [بينهما ترجمان]، فصاروا في القضية ثلاثة، وكل حديث جاوز اثنين شائع؛ فكان يجب أن يشيع ذلك ويشتهر، ويتعين فاعله، كما اشتهر أمر مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح، وغيرهم من الكذابين.
والذي يظهر لي في سبب هذه الشبهة أنها فتنة فتنهم الله-عز وجل-بها، وإن بعض كفار مكة أو غيرهم/ [١٢١ ب/م] كشف له حتى رأى جبريل يوحي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم على صورة بشر دحية الكلبي أو غيره، فقالوا: إنما يعلمه بشر، وأشاروا إلى شخص كان جبريل على صورته.
{إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}(١٠٤)[النحل: ١٠٤] يحتج بها الجمهور على أنه-عز وجل-يملك منع الهداية، فلا يهتدي أحد إلا بإرادته، وأجاب المعتزلة بأنه جعل مع هدايتهم عقوبة على كفرهم بآياته؛ فذلك الكفر منهم؟ قلنا: نعم هو منهم بكسبهم، وخلق الله-عز وجل-إياه فيهم، وإذا ملك سلب هدايتهم عقوبة ملكه ابتداء، ولو كان لهم جهة خلق الكفر لكان لهم جهة خلق الهداية، لما منعهم إياها، وحينئذ كانوا غالبين لله-عز وجل-وهو محال/ [٢٧٥/ل].
١٠٦] يحتج بها الشيعة على جواز التقية كما سبق تقريره في آل عمران، واختلف فيمن أكره [على كلمة الكفر] بالقتل، أيما أفضل له: إعزاز الدين بالامتناع والصبر على القتل، أو حفظ نفسه بالإجابة مع اعتقاد الإيمان؟ فيه قولان.
ويحتمل أن الأفضل فعل الأثقل على نفسه، ورجح بعضهم حفظ النفس استبقاء للحقوق الإلهية التكليفية فيها، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم لعمار:«إن عادوا فعد» مع قوله له ولمن معه:
«صبرا فإن موعدكم الجنة»(١) فلو كان الامتناع أفضل لاختاره لهم؛ لأنه أسرع لهم إلى الجنة.