أحدهما: هو باق، لاعتقادهم له واعترافهم وتدينهم به، مؤاخذة لهم بإقرارهم.
والثاني: أنه ليس بباق، لثبوت نسخه بشريعتي المسيح ومحمد-عليهما السّلام-فلو استباحه يهودي اتجه تعزيره وتأديبه على الأول، لانتهاكه حرمة يعتقدها لله-عز وجل- دون الثاني.
{اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(١٢٥)[النحل: ١٢٥] يحتج بها المنطقيون على صحة علمهم ووجوب استعماله في الدعاء إلى الله-عز وجل-لإقامة الحجة وكشف الشبهة، قالوا: لأن المنطق ليس إلا علما يتعرف فيه أحوال الأقيسة النظرية قوة وضعفا، وصحة وفسادا؛ ليتوصل بها إلى تحقيق الحق وإبطال الباطل، وجملة الأقيسة المبحوث عنها في المنطق خمسة: البرهاني والإقناعي والجدلي والسوفسطائي والشعري، والثلاثة الأول هي المعول عليها في المطالب العلمية، فالبرهان لإدراك اليقين، ويصلح لمن ارتاض بالحكمة، أو كانت له فطرة جيدة يدركه بها، والإقناع للعامة القاصرين عن رتبة البرهان، والجدل لمن يقصد المغالبة أو المغالطة في الحق فيلقى به ليكف عاديته، وأشير في الآية إلى هذه الثلاثة وسمي البرهان حكمة والإقناع الخطابي موعظة، وأشار إلى الجدلي بقوله:{اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(١٢٥)[النحل: ١٢٥].
أما السوفسطائي فتشكيك في الحقائق، وإنما يعرف ليجتنب، أو ليبطل إن شكك به.
والشعري تخييل يؤثر قبضا وبسطا في النفس يخدع به الناس عن أموالهم، فلا يستعملان في غير ذلك فلم يبق إلا الثلاثة الأول المشار إليها في الآية، وهي المقصود من علم المنطق، وإنما قلنا: إن استعماله في الدعاء إلى الحق واجب؛ لأنه أمر بالدعاء إليه به والأمر للوجوب، ولأن المنطق للمعاني كالنحو للألفاظ/ [١٢٢ ب/م] فبدونه لا تتحرر الحجج، وما لم تتحرر الحجج لا يتضح الحق؛ فلذلك قلنا: إن استعماله واجب، وعلى المنطق