والأول محال، فالثاني حق، ولأن القرآن معجز نبوي [وكل معجز نبوي] مخلوق/ [١٢٨ أ/م] أما الأولى فإجماعية، وأما الثانية فاستقرائية الاستقراء التام، إذ معجزات الأنبياء- عليهم السّلام-كلها مخلوقة كالعصا واليد البيضاء وإحياء الموتى، والناقة وغيرها. وليس بعد محمد صلّى الله عليه وسلّم نبي يتوقع له معجز قديم ينخرم به هذا الاستقراء فوجب العمل بمقتضاه.
واحتج القائلون بقدم القرآن بأن جميع معجزات الأنبياء لم يتحد بها الجن/ [٢٧٠/ل] مع الإنس إلا القرآن، وإنما ذلك لكونه قديما، وبقوله صلّى الله عليه وسلّم:«ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا» وإنما أشار بذلك إلى الفرق بين [معجزه، ومعجز] غيره بالقدم والحدوث، ولأن القرآن معجز باق وغيره من المعجزات فان، لم يبق إلا ذكره، فدل على قدم القرآن وحدوث غيره.
{قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً}(٩٥)[الإسراء: ٩٥] أي لم تستغربون أن يبعث الله إليكم بشرا رسولا، فإن الحكمة لا تقتضي إلا ذلك، أن يرسل البشر إلى مثله، أما إرسال الملك إلى البشر، فيبطل حكمة الإرسال، إذ يصير الإيمان برؤية الملك اضطرارا والحكمة تقتضي الإيمان الاختياري، حتى لو كان في الأرض ملائكة ساكنون مقيمون فيها لأرسلنا إليهم ملكا من جنسهم، إذ الحكمة لا تنافي ذلك؛ لأن إيمان الملائكة بملك منهم لا يصير اضطراريا يخل بحكمة الإرسال؛ إذ نسبتهم إليه نسبة البشر إلى الرسول البشري، ودلت الآية على أن الأرض ليس فيها ملائكة يمشون مطمئنين، أي: قاطنين بها كالإنس، وعلى أن فيها ملائكة يمشون، لكن [لا مطمئنين] قاطنين وشواهده كثيرة.