والتزام المريد ذلك إذا وثق بحسن طريق الشيخ وسلوكه لمقتضى وصية الخضر، [٢٨٠/ل] وفيه وفيما بعد جواز الاعتراض على المشايخ فيما يخالف ظاهر الشرع ممن له ذلك من أولي الأمر العام اقتداء بموسى، وأن فاعل ما يخالف ظاهر الشرع إذا ادعى أن ذلك جائز في العلم الباطن ونحوه، لا يسمع منه إلا بدليل شرعي قاطع كالنص على الخضر.
{قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}(٧٢)[الكهف: ٧٢] فيه تقريع المريد وتذكيره بما يقوي همته على الصبر على صعوبة السلوك؛ لأن ذلك أجدر بالوصول.
{قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً}(٧٣)[الكهف: ٧٣] فيه أن الناسي معذور، وأنه ينبغي مسامحته إذ هو غير منتهك للحرمة، ومن ثم ورد شرعنا بالعفو عنه وأنه غير مكلف.
{فَانْطَلَقا حَتّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً}(٧٤)[الكهف: ٧٤] إشارة من موسى إلى ما كان عنده في التوراة أن/ [١٣٢ أ/م] النفس بالنفس إلى قوله-عز وجل-: {مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}(٣٢)[المائدة: ٣٢] وأن موسى كان يتبع نصوص كتابه عاملا بها.
{فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اِسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}(٧٧)[الكهف: ٧٧] هذا تعريض من موسى بالاعتراض والإنكار؛ إذ كان قد التزم له تركه وألا يصاحبه إن عاوده {قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}(٧٨)[الكهف: ٧٨] وذلك فيه ترتيب أحكام التصريح على التعريض إذا أفهم معناه بقرينة؛ لأن الخضر رتب على تعريض موسى بالإنكار من مفارقته ما كان التزمه له بالتصريح به.
{قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}(٧٨)[الكهف: ٧٨] فيه استحباب التبرؤ من التهم وإقامة الأعذار بكشف الأسرار.