٦٢] يحتج به من رأى أن في الجنة ليلا ونهارا، ومن أنكره احتج بقوله-عز وجل-:
{مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً}(١٣)[الإنسان: ١٣] أي: ولا قمرا، وهما المصححان لوجود الليل والنهار، فإذا انتفيا انتفيا لانتفاء الشيء بانتفاء علته.
وتأول هذه على معنى: أن رزقهم يأتيهم عند حاجتهم إليه في وقت هو نظير البكرة والعشي في الدنيا.
{وَما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}(٦٤)[مريم: ٦٤] يحتج به الجمهور على إثبات زمن الحال، إذا هو المراد ب {وَما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}(٦٤)[مريم: ٦٤] ويقول الشاعر:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم
خلافا للفلاسفة، فإنهم قالوا: الزمان إما منقض وهو الماضي، أو غير منقض/ [٢٨٥/ل] وهو المستقبل، ولا حال. ورد بأن غير المنقضي إما حاضر وهو الحال، أو منتظر وهو المستقبل. وقالوا أيضا: الزمان إما منتظر وهو المستقبل أو لا وهو الماضي، ورد بأن غير المنتظر إما حاضر وهو الحال، أو منقض وهو الماضي، وحجتهم المعتمدة أن الزمان حقيقة سيالة لا تستقر، فكل ما ادعيتموه حالا ورد عليه التقسيم إلى ماض ومستقبل وحال، ويلزم منه تسلسل الأحوال، وانقسام الحال إلى الماضي والمستقبل، وإنه محال.
والمسألة مبنية على الجوهر الفرد، من أثبته أثبت الحال، ومن لا فلا، ومن حجج النحاة أن العرب وضعت لفعل الحال صيغة، كما وضعت لطرفيه، ونصت على الحال بالآن، كما أخلصت المستقبل بالسين، وسوف، وزعم بعضهم أن «يفعل» مشترك بين الحال والمستقبل، وكل ذلك يدل على أنهم تصوروا الحال وعقلوا إمكانه بالضرورة، حتى وضعوا له.
وأجيب بأن ذلك حال تقريبا لا تحقيقا، واحتج/ [١٣٤ ب/م] مثبتو الحال بأن منكر الحال حال إنكاره إما أن يكون في زمن ماض، أو مستقبل وهو محال، وإلا لزم عدمه بعد الماضي، أو أنه لم يوجد بعد تبعا للمستقبل، فتعين أنه في زمن بينهما وهو الحال، وهذه قوية لا مخلص للفلاسفة منها.