والجهاد، فعاقبه على تأخير اتباعه عن وقت ضلالهم/ [١٣٦ ب/م]، وأخبر أنه بذلك عصى أمره.
{قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}(٩٤)[طه: ٩٤] فيه جواز التصرف في الأحكام والسياسات بحسن رعاية المصالح؛ لأن هارون حصل أعلى المصلحتين عنده، وهو جمع بني إسرائيل وتأليفهم، ودفع أعظم المفسدين، وهو التفريق بينهم، وإن استلزم ذلك مخالفة أمر أو ارتكاب نهي، وأن المتصرف بحسب المصلحة مؤديا للنصيحة معذور، وأشار هارون بقوله:
١٤٢] وللشيعة هاهنا كلام، وهو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نزل عليا منه منزلة هارون من موسى، وعلي هو الإمام الحق بعده صلّى الله عليه وسلّم ومقتضى استخلافه أن يسوس الأمة بالأصلح فالأصلح، وأن يجمعها ولا يفرقها، فلما خرج عليه، وغدر به رأى الأصلح جمع الكلمة، وعدمه الفرقة، فلذلك لم يجاهدهم معتذرا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا لقيه يوم القيامة بما اعتذر به هارون إلى موسى، وهو قوله: إني خشيت أن تقول: فرقت بين الأمة ولم ترقب مقتضى استخلافي لك اعتبار السياسة بالأصلح فالأصلح.
ويجاب عن هذا بأن هذا القياس لا يصح؛ لأن موسى كان/ [٢٩٠/ل] منتظر العودة، فأخر هارون الجهاد والإنكار حتى يعود فيرى رأيه، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم غير منتظر العودة إلى الدنيا، فقد كان الواجب على علي إن كان هو الإمام الحق، كما زعمتم أن يجاهد بمن أطاعه، وإن قل من عصاه، وإن كثروا إن كانوا كفارا أو بغاة كما قاتل الخوارج وأصحاب صفين والجمل، وإلا لكان تاركا لواجب الجهاد، وهاهنا بحث من الطرفين يطول.