{وَعَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ}(٢٥١)[البقرة: ٢٥١] ثم قال هاهنا: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}(١٦)[النمل: ١٦] فدل على أن الملك الذي أوتيه داود ورثه سليمان هاهنا، وإذا ثبت ذلك كان الحديث المشهور على خلاف نص/ [١٥٠ ب/م] القرآن، فيكون مردودا، واعترض الجمهور بوجهين:
أحدهما: أن المراد: وورث سليمان داود علمه وحكمته، بدليل أن قبل ذلك {وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}(١٥)[النمل: ١٥] وبعده {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}(١٦)[النمل: ١٦] يعني سليمان.
الوجه الثاني: أن قوله-عز وجل-: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}(١٦) / [٣١٨/ل][النمل: ١٦] مطلق لا عموم له، فيصدق بصورة تتأدى بها وظيفته، وأجمعنا أنه ورثه العلم، فلم يبق لإرث المال ما يقتضيه من اللفظ فتسقط دعواه.
وأجاب الشيعة عن الأول: بأنا لا نسلم المراد إرث العلم لوجهين:
أحدهما: إن إرث العلم مجاز، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
الثاني: أن سليمان كان قد أوتي من العلم أكثر من علم داود، بدليل قوله-عز وجل- {فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنّا فاعِلِينَ}(٧٩)[الأنبياء: ٧٩] وكان سليمان يستدرك على داود قضاياه، كما في قصة المرأتين اللتين أخذ الذئب ابن إحداهما وغيرها، فلم يكن له حاجة إلى إرث علم داود.