وأجاب الخصم باحتمال أن النداء بواسطة ملك حاك؛ لقوله:{فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}(٣٠)[القصص: ٣٠] أو يكون موسى غاب عن حسه فأدرك النداء بلا صوت ولا حرف في الخارج كما يدرك النائم الكلام كذلك، ولو صح قول الصوتية للزم أن الله-عز وجل-جسم في ذاته أو أنه يتطور في الأجسام إذا شاء ويتخذها مظهرا له على رأي الحلولية أو الاتحادية، وإنه باطل؛ لأن الجسمية من لوازم الصوت قطعا.
{اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاُضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ}(٣٢)[القصص: ٣٢] البرهان هو الحجة المركبة من مقدمتين قاطعتين، وعصا موسى ويده البيضاء كذلك؛ إذ يقال في كل واحدة منهما: هذا خارق للعادة، وكل خارق للعادة معجز يدل على صدق صاحبه، فهذا معجز يدل على صدق موسى.
{وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}(٣٤)[القصص: ٣٤] هذا مما تناقض به الشيعة [لعنهم الله] حيث قالوا: إن قوله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» أثبت له المنازل الهارونية. فيقال له:
فيجب أن يكون علي أفصح منه، كما كان هارون أفصح من موسى. فإن التزموا ذلك فهو خلاف الإجماع، وخلاف قوله صلّى الله عليه وسلّم:«أنا أفصح من نطق الضاد»(١) وإن لم يلتزموه انقضت دعواهم، اللهم إلا أن يمنعوا كون الفصاحة منزلة من المنازل، أو يسلموا ذلك ويدعوا تخصيصها بدليل كالنبوة، مع أن كثيرا منهم يزعم أن كلام علي في النهج وغيره أفصح الكلام بعد القرآن.
{وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ}(٣٨) / [٣٢٣ ل]) [القصص: ٣٨] يحتج بها أصحاب الجهة كما سبق.