ادعى عموم الدعوة، فيجب قبول ذلك منه لثبوت رسالته المطلقة، أو مطلق رسالته.
{وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(٤٧)[القصص: ٤٧] سبق نظيرها في إقامة الحجة بإرسال الرسل في آخر «طه» و «النساء».
{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(٥٦)[القصص: ٥٦] سياق ما قبلها يقتضي أنها في أهل الكتاب؛ لأنه قسمهم قسمين:
أحدهما: معاند للقرآن منكر له، وهو المذكور في قوله-عز وجل-: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(٤٧)[القصص: ٤٧] إلى {*وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(٥١)[القصص: ٥١].
والثاني: مؤمن بالقرآن. وهم مؤمنو أهل الكتاب، وهو المراد بقوله-عز وجل-:
{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ}(٥٢)[القصص: ٥٢] إلى {أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}(٥٤)[القصص: ٥٤] إلى {وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ}(٥٥)[القصص: ٥٥] وهؤلاء كعبد الله بن سلام وأصحابه، ثم جاءت هذه الآية مشتركة بين القسمين فقوله-عز وجل- {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص: ٥٦] إشارة إلى القسم الأول الضال منهم، وقوله-عز وجل-: {وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(٥٦)[القصص: ٥٦] إشارة إلى القسم الثاني المهتدي منهم، فهذا كلام متجه بشهادة ظاهر الكتاب، غير أن الحديث الصحيح ورد بأن هذه نزلت في أبي طالب حين أحب النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعاه إلى الإسلام عند موته، فالمشهور أنه امتنع ومات على ملة عبد المطلب.
وحكى ابن إسحاق أنه نطق/ [٣٢٥ ل] بكلمة الشهادة قبل خروج روحه والعباس عنده فسمعه، فقال العباس: إنه قد أسلم. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«ما سمعت شيئا» فلما اختلف النقل في ذلك اختلف [أهل] السنة والشيعة في ذلك، فقال الجمهور: إنه مات كافرا،