وبيت العنكبوت موجود في الخارج منه ألوف من البيوت، وما لا وجود له أصلا أوهن مما له وجود على كل حال.
وإنما ذكرت هذا لأن الإنكار المذكور لو لزم الحريري لاقتضى كفره، لتضمنه الرد على الله-عز وجل-فيما بالغ فيه، والتكفير ونحوه من مسائل أصول الدين.
{* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(٤٦)[العنكبوت: ٤٦] فيه مشروعية جدال أهل الكتاب إذا أثاروا شبهة فكشف؛ لئلا يظن أن معهم حقا، ثم إن كانوا ذمة أو مستأمنين وجب/ [٣٢٩ ل] الرفق بهم/ [١٥٧ أ/م]، ولا يعنف عليهم؛ لئلا يظن أنهم استبقوا حجة لم يقدروا على إظهارها، ورعاية لعهد الذمة.
وإن كانوا حربا فحكمهم واضح؛ إذ قتالهم جائز، ومن كان عندهم بدار الحرب، فإن أمن على نفسه كرسول المسلمين جاز أن يصدعهم بالحجة، ويغلظ لهم إعزازا للكلمة، وإن لم يأمن كالأسير والمستأمن إليهم من المسلمين ففيه الخلاف بمن أكره على الكفر، أيهما أفضل له؟ الإجابة أو الامتناع؟
إن قلنا: الإجابة، فهناك الأفضل الرفق في الجدال. وإن قلنا: الامتناع فهناك الأفضل الغلظة.
{وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ}(٤٨)[العنكبوت: ٤٨] هذا احتجاج على صدقه صلّى الله عليه وسلّم، أي إنك جئت بكتاب خارق للعادة عظيم الوقع، مع أنك لم تكن قبله قارئا ولا كاتبا، وكل من أتى بكتاب على هذا الوجه فهو نبي آت بمعجز، فأنت نبي آت بمعجز.
أما الأولى فلأنه صلّى الله عليه وسلّم أتى بالقرآن، وحسبك به كتاب عجز عن معارضة أيسره فصحاء العرب، وأما أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن كاتبا ولا قارئا فواضح، وخصومه من الكفار سلموا ذلك، حتى إنهم لما اتهموه، [إنما اتهموه] بأنه يستملي ذلك ممن يقرأ ويكتب، ولو كان قارئا كاتبا لما احتاجوا إلى ذلك، بل قالوا: أنت قارئ كاتب، فلا يستكثر لك هذا القرآن، وإليه الإشارة بقوله:{وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ}(٤٨)[العنكبوت: ٤٨].