والجواب مشترك، أما قولكم لجواز كمون النار في الشجر: فالكمون عندنا باطل، وأنتم عند المحاقة لا تقدرون على إثباته، فإنا لو قطعنا شجرة النار وشرحناها بأبلغ ما يكون ما وجدنا للنار أثرا لا عيانا ولا لمسا ولا غيره، وإنما النار يخلقها الله-عز وجل- عند القدح، وغاية ذلك أن يكون اختصاص هذه الشجرة بإخراج النار منها طبيعة مناسبة للنار لكن ذلك لا يدل على كمون النار فيها على أن في كل شجر نارا، فلا اختصاص لبعضه دون بعض بذلك، وإنما هو كما قلنا مخترع عند استخراجه.
قوله: لغلبة الجزء الناري عليه، قلنا: العنصر الناري الكامن في الشجرة إما فاسد الصورة أو موجود الصورة؛ فإن كان فاسد الصورة فليس ذلك بنار كالعنصر الناري في الإنسان لا يسمى نارا موقدة ولا يوقد منها.
وإن كان موجود الصورة قائمها، فإما أن يكون غالبا للجزء المائي، أو مغلوبا له أو مكافئا مقاوما، فإن كان غالبا له، وجب أن يحرقه ثم يستولي على أثره في الشجرة، وهو رطوبتها فيذهبها ثم على جرم الشجرة فيحرقها بالكلية، والعيان بخلافة، وإن كان مغلوبا للمائي وجب أن ينطفئ لغلبة المائي عليه.
وحينئذ [يجب] أن لا تخرج النار من الشجرة بالقدح والاستخراج، والعيان بخلافه، وإن كان مكافئا مقاوما، وجب إذا شرحنا الشجرة أن نحسه عيانا، أو لمسا/ [٣٤٩ ل] لأن الفرض أن صورته النارية قائمة لا فاسدة والعيان خلافه، فهذه الأقسام حاصرة وكلها باطلة، فبطل قولكم بكمون النار في الشجر لغلبة العنصر الناري عليه، ثم قوله: تبقى بقية النار لا معارض لها يخرج عند استخراجها، قلنا: إن بقيت فاسدة الصورة، فليست بنار، وإن بقيت بصورتها النارية، وجب أن تحرق ما تلاقيه من أجزاء الشجرة/ [١٦٧/م] إذ الفرض أنه لا معارض لها، فتبين بطلان الفرق المذكور من كل وجه.
ثم إن المزاج هو كيفية متوسطة حاصلة عن تفاعل العناصر بعضها في بعض وإذا تفاعلت كسر كل منها صورة الآخر وذهبت صورته بالكلية، ففرض كمون أحد العناصر بصورته في الجسم محال، نارا كان ذلك أو غيره. وإنما أطلنا الكلام هاهنا لوجهين:
أحدهما: لئلا يظن ظان أن الفرق المذكور مؤثر، فلا يثق بدليل القرآن،
الثاني: الإعلام بأن براهين القرآن بعد كل سؤال وجواب وتشكيك من ذي ارتياب تظهر أنها قوية متينة واضحة سالمة عن المبطلات، مستولية بالإبطال على الشبهات.