واعترض الشيعة [لعنهم الله] على هذا بأن قالوا: لا نسلم أن المخلفين أمروا بطاعته، قوله: المخلفون هم الذين تخلفوا عن تبوك، قلنا: لا نسلم، وإنما هم المخلفون عن الحديبية، وقد تخلف عنها جماعة من المنافقين كما ذكره المفسرون، والذي يدل على أن هؤلاء المخلفين غير أولئك اختلافهم في علة التخلف، فهؤلاء مخلفو الحديبية قالوا:(شغلتنا أموالنا وأهلونا). وأولئك مخلفو تبوك؛ قالوا:(لا تنفروا في الحر)، ومنهم من قال:(ائذن لي ولا تفتني)، يعني بنساء الروم اذا غزاهم افتتن بهن. وإنما وقع الاشتباه من اشتراك لفظ المخلفين بين مخلفي الحديبية وتبوك.
قوله: وهذا الداعي إما أبو بكر أو عمر، قلنا: لا نسلم، وإنما يصح هذا أن لو ثبت أن المخلفين بين مخلفي الحديبية وتبوك.
قوله: القوم أولو البأس الشديد إما بنو حنيفة أو فارس؛ قلنا: لا نسلم، وإنما هذا بناء منكم على أن الداعي أبو بكر أو عمر، وهو ممنوع على ما سبق، وإنما أولو البأس الشديد هوازن، والداعي إلى قتالهم هو النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو مفترض الطاعة بلا خلاف (١).
وقد ذهب جماعة من جلة/ [١٨٧ أ/م] المفسرين إلى أنهم هوازن، وقد ثبت أن الداعي إلى قتالهم هو النبي صلّى الله عليه وسلّم، وجدير بهوازن أن يكونوا أولي بأس شديد، والله-عز وجل-يقول للمؤمنين:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}(٢٥)[التوبة: ٢٥] وحسبك منهم قوم لم ينتصف منهم إلا بالمعجز الإلهي النبوي حيث رماهم بقبضة تراب، فقال الله-عز وجل-: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(١٧)[الأنفال: ١٧] قالوا: فثبت أن هذه الآية في مخلفي الحديبية ورسول الله وهوازن، لا في مخلفي تبوك وأبي بكر وفارس أو بني حنيفة.
واعلم أن الخلاف في هذه الآية وهذه المسألة مبني على أولي البأس الشديد من هم؟ وقد اختلف فيه المفسرون-كما ذكره ابن عطية وغيره-ومع الخلاف لا يمكن الجزم بشيء.