بانقراض دول الملوك وسياساتهم بموتهم، ودولة محمد صلّى الله عليه وسلّم باقية مستمرة نحو ألف سنة، وهي في زيادة وقوة، وذلك يدل على أنه ليس بملك كما زعموا، وينتظم الدليل هكذا: لا شيء من دول الملوك بباق بعدهم، ودولة محمد باقية بعده؛ وذلك ينتج المطلوب. وإذا انتفى كونه ملكا ما حقا تعين أنه نبي صادق؛ ضرورة انحصار الحكم في أحد القسمين عند انتفائه عن الآخر، وقد بسطت هذا غير هاهنا.
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}(٢٩)[الفتح: ٢٩] يحتج به الجمهور على كفر الرافضة المبغضين للصحابة، وتقريره أن من أبغضهم فقد غاظوه، وكل من/ [٣٩٠/ل] غاظوه فهو كافر، فمن أبغضهم فهو كافر [ينضم إليها صغرى: الرافضة يبغضونهم وكل من أبغضهم فهو كافر]، فالرافضة كفار، والمقدمات واضحة.
والرافضة لما رأوا قوة هذا الدليل فزعوا إلى التأويل، فتارة حملوا {وَالَّذِينَ مَعَهُ} على أهل البيت وأتباعهم ومن أحبهم، دون من تحامل عليهم ونكث عهدهم، وجعلوه من باب العام المخصوص، أو المراد به الخاص، وتارة حملوا الكلام في الكفار على العهد، لا الاستغراق، أي ليغيظ بهم الكفار المعهودين في عصرهم، أو من أبغضهم عنادا بغير حق، أما من أبغضهم بتأويل واجتهاد مستندا إلى حجة أو شبهة، فلا نسلم دخوله تحت هذا الوعيد، وربما منعوا المقدمة القائلة: كل من غاظوه فهو كافر؛ لأن القرآن إنما دل على أن كل كافر يغتاظ من الصحابة بالضرورة، وإنما تنعكس هذه إلى أن بعض من يغتاظ منهم كافر بالإطلاق، لا إلى كل من يغتاظ منهم كافر، وحينئذ يكون كبرى القياس جزئية، فلا ينتج، وهذا المنع أجود من تأويلهم.