إنه جبريل، ربما استدل بأنه أفضل من الأنبياء الذين أوحى إليهم؛ لأنه معلم وهم متعلمون، وعورض بأنهم أفضل؛ لأنه رسول وهم مرسل إليهم، ونقض ذلك بالرسل مع الأمم، وقد سبقت هذه المسألة.
{ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى} (٩)[النجم: ٨، ٩] يحتج به على إثبات الجهة، إذ لا يتصور هذا التقدير إلا معها، ولا يجوز حمله على جبريل وأن {قابَ قَوْسَيْنِ} كان بينه وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن جبريل-عليه السّلام-قرب من النبي صلّى الله عليه وسلّم في الأرض حتى تماست ركبهما، وذلك أقرب من قاب قوسين ففي السماء، فتعين حمله على أنه بينه وبين الله -عز وجل-ويلزم الجهة، والخصم إنما يدفع هذا بما مر من لزوم التحيز والتجسيم].
{ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}(١١)[النجم: ١١] إشارة إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم-رأى ربه-عز وجل-بقلبه، والفؤاد عين القلب، كما أن البصر عين القالب.
{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى} (١٥)[النجم: ١٤ - ١٥] فيه إثبات الجنة موجودة قبل القيامة/ [٤٠١/ل] خلافا للمعتزلة كما سبق.
{ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى}(١٧)[النجم: ١٧] إشارة إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم رأى ربه-عز وجل- ببصره الظاهر، وقد اختلف في ذلك، فحكي عن ابن عباس وجماعة: «[أنه رآه]-عز وجل- بعين رأسه لظاهر هذه الآية، وحكي عن عائشة أنها أنكرت ذلك؛ مستدلة بقوله-عز وجل-: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(١٠٣)[الأنعام:
١٠٣] وحملت هذه الآية على أنه رأى جبريل مرتين في صورته الأصلية العظيمة الهائلة.
والأشبه الأول، ويحكى عن أحمد أنه قيل له: بم ترد قول عائشة في إنكار الرؤية؟ فقال:
بقول ابن عباس في إثباتها أو كما قال، وحكى عن بعضهم أنه قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يضع كل حديث عند أهله، ويحدث الناس على قدر عقولهم، وابن عباس رجل كامل فأفشى إليه هذا الحديث، وعائشة إذ هي امرأة ليست كالرجال في الكمال لم يحدثها به.
{أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى}(١٩)[النجم: ١٩] قيل: اشتقوا اللات من اسم الله-عز وجل-والعزى من العزيز، وقيل: إن رجلا كان يلت السويق للحاج فسمي اللات اسم فاعل من ذلك مشدد التاء، ثم سموا به الصنم، وخففوه.