{وَما لَكُمْ أَلاّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(١٠)[الحديد: ١٠] احتج بها الجمهور على أن أبا بكر أفضل من علي؛ لأن أبا بكر كان موسرا مثريا، فأنفق وقاتل قبل الفتح، [وكان علي] فقيرا لا مال له ينفقه قبل الفتح، وإنما حصل له القتال فقط. ففاز أبو بكر عليه بمجموع الوصفين، ولم يحصل لعلي إلا أحدهما.
واعترضت الشيعة بأن قالوا: لا نسلم أن أبا بكر كان موسرا، والمنقول عندنا خلاف ذلك، سلمناه لكن لا نسلم أنه أنفق شيئا لا قبل الفتح ولا بعده، سلمناه لكن لا نسلم أن عليا فقيرا، لأنه نهض في المغازي والحروب مع/ [١٩٩ أ/م] النبي صلّى الله عليه وسلّم في أوائل الناس، ولم يزل يغنم ويفاء عليه وينفل، وقال: كنت إذا سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم أعطاني، وإذا تركت ابتدأني، وقد كان له سهم من تلك الغنائم والأنفال، وهي كثيرة جدا وبدون ذلك يثرى المثري، وكيف وقد روي عن علي أنه قال: إن زكاة مالي اليوم أربعون ألفا، رواه أحمد في المسند، وهذا يقتضي أن ماله بلغ ألف وستمائة ألف لا تنافي زهده في الدنيا؛ لأن الزهد راجع إلى احتقار الدنيا وعدم الاكتراث والاحتفال وتعلق الهمة بها، وكانا ملكين، وملك سليمان الدنيا، فمن زعم والحالة هذه أن عليا كان فقيرا، قد كابر.
غاية ما في هذا الباب أنه كان يؤثر بماله، فيمر عليه الوقت [بعد الوقت] ولا شيء له، ثم يفتح عليه عن قريب، وكانت ثروته بعد [تزوجه بفاطمة] فلا ينافيها دفعه لها درعه الحطيمة مهرا، سلمنا أنه كان فقيرا فلم ينفق قبل الفتح لكن ما ذكرتموه يقتضي أن ما بعده في الفضيلة [عندكم من العشرة] وغيرهم ممن كان موسرا فأنفق وقاتل قبل الفتح أفضل منه كطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وغيرهم، كلهم كانوا موسرين، وكلهم أنفق وقاتل قبل الفتح، فيلزمكم أنهم أفضل من علي لما عللتم به، وهو خلاف مذهبكم، ثم ذكرتموه لو دل لكان معارضا بقوله-عز وجل-: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}