أن الإنسان دائر بين أمر واجب الحصول من خير أو شر، وأمر ممتنع الحصول من خير أو شر، وكلاهما لا يليق الحزن عليه ولا/ [٢٠٠ أ/م] الفرح به، اللهم إلا أن يتعلق بالحزن أو الفرح استدعاء شرعي فيكون ذلك من باب القربة التكليفية، وعند هذا يظهر سر قوله- صلّى الله عليه وسلّم- «لا يؤمن أحدكم» أو «لا يكمل إيمانه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه»(١).
{لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}(٢٥)[الحديد: ٢٥] إشارة إلى أن كتاب الشريعة، وسيف السياسة رضيعا لبان وفرسا رهان، لا يستغني أحدهما عن الآخر، فكتاب بلا سيف كال، وسيف بلا كتاب ضال، ويستدل على نفوذ أحكام البغاة والخوارج والأئمة الفجرة ونحوهم، لأن الحكم الشرعي المرشد والسيف السياسي المنفذ إذا اجتمعا وجب نفوذ الحكم في طريقه، فلا وجه لتعويقه.
{ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً اِبْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ اِبْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ}(٢٧)[الحديد: ٢٧] احتج به أبو حنيفة على أن النفل يلزم بالشروع؛ لأنه- عز وجل-ذم أتباع المسيح على تركهم رعاية ما شرعوا فيه مما لم يكتب عليهم، وهو عين لزوم النفل بالشروع.
وهذا استنباط حسن، ولذلك ذكرناه وإن لم يكن [من موضوع] هذا التعليق، لكن إنما يتم الاستدلال به بعد ثبوت مقدمتين: