على سلب العموم، والفرق بينهما من جهة التركيب أن العموم والسلب أيهما تقدم لفظه أضفته إلى الآخر، فإن تقدم لفظ العموم على أداة السلب، فهو عموم السلب كما في الحديث، وإن تقدم لفظ السلب فهو سلب العموم كالبيت الأخير، وأما البيت الأول فيحتلهما، بناء على أن تقديره: كله لم أصنعه أو لم أصنع كله؛ فعلى الأول: هو عموم سلب الصنع، وعلى الثاني: هو سلب عموم الصنع وعلى هذا التقدير ربما ظن أن لا يستوي كذا وكذا من باب سلب العموم لتقدم حرف السلب، وليس كذلك، والفرق بينهما أن سلب العموم شرطه أن يدخل حرف السلب على لفظ عام تحته متعدد، فإذا سلب عمومه بقي الحكم في بعض أفراده، نحو: لم أضرب كل الرجال بخلاف لا يستويان؛ فطن حرف السلب دخل في المعنى على ماهية الاستواء فنفاها، الماهية من حيث هي هي لا تعدد فيها ولا اتحاد فلم يبق بعد سلبها شيء يثبت له الحكم، فلهذا قلنا: إن صيغة لا يستوي كذا وكذا، من باب عموم السلب لا سلب العموم، وهذا بحث استطردناه بديهة فلك النظر فيه.
{لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(٢١)[الحشر: ٢١] هذا خرج مخرج المبالغة في تعظيم القرآن وغفلة الكفار عنه، أي أن هذا القرآن عظيم تتصدع لسماعه الجبال، وأنتم عنه غافلون، فهو كقوله-عز وجل-: {أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}(٦٨)[ص: ٦٨].