{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ}(١٦)[الملك: ١٦] الآيتين، يحتج بهما من أثبت الجهة؛ لأنه إنما توعدهم بفعله، وقد أخبر أنه في السماء.
وأجاب الخصم بأنه لا يلزم من توعدهم بفعله أن يكون في السماء لجواز أن يكون الفعل له بأمره والمباشرة له ملائكة السماء كما يقال في الشاهد، لمن جنى جناية: أأمنت من في القلعة أن يعاقبك، وقد يكون الذي في القلعة نائب السلطان أو بعض جنده، والسلطان لعله حينئذ في البر أو البحر، أو لا يدرى أين هو.
واعلم أن ظاهر الآية مع مثبتي الجهة، وإنما الخصم/ [٢٠٧ أ/م] يعارضهم بالدليل القاطع عنده فيحتاج إلى تأويلها.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}(١٩)[الملك: ١٩]، اختلف في كيفية إمساك الطير فوقهم، فعند المتكلمين:
لأنه-عز وجل-خلق له آلة التماسك في الهواء أو القوة عليه.
وعند الفلاسفة: لأنه-عز وجل-غلب فيه الاسطقص أي: العنصر الهوائي فخف بخفة الهواء فتماسك، كما غلب في البهائم الجزء الترابي؛ فثقلت فرسبت ولزمت الأرض.
وعند الاتحادية: أنه سرى فيها بذاته فحملها في الهواء، فحركتها تابعة لحركته، فهي في الحركة تابعة لا مستقلة، وإليه الإشارة بقوله عز وجل/ {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}(٥٦)[هود: ٥٦] كما صرح به ابن العربي في «الفصوص».
٢١]، تدل على أن لا رازق سواه-عز وجل-لأنها تضمنت أنه-عز وجل-إن رزق فلا ممسك، وإن أمسك فلا رازق، وهو دليل الاستبداد بالرزق، وليس لأهل الاعتزال إلا أن يتأولوه على أن أمسك رزقه الحلال، وهو تمحل ومحال.