ففي المؤلف الواحد تختلف النسخ من تلميذ إلى إخر؛ بسبب السماع في المجالس المتتابعة، فذاك يسمع الكلام من مؤلفه مباشرة، وهو قريب منه، فيكتب نص ما سمع، وآخر بعيد منه لكثرة الحاضرين لهذا المجلس، فيسمع فيختلط عليه سمعه، فيصحف، وهذا سبب من أسباب الإختلاف. ويسمى تصحيف السماع.
وقد يقع تصحيف من نوع آخر بسبب النساخين للكتاب، فيحصل تغيير بالشكل أو النقط، وتلميذ إخر يعتمد على حفظه، فيدون ما سمعه في غير مكان مجلس السماع، ولتفاوت قدرات الحفظ من راو لآخر، فقد يحصل له أن لا يروي النص باللفظ بل بالمعنى، فيكون التغيير حاصل في النسخ، ومنه يكون مخل بالمعنى إخلالاً فاحشاً، أو بسيطاً له وجه في اللغة، فيكون مقبولاً نوعاً ما، وتلميذ آخر لم يحضر مجلس السماع، فيفوته من ذلك الكتاب ما يفوته لأسباب رحلة، أو مرض، وغير ذلك، فيستدركه في مجلس آخر، أو يجيزه به شيخه، أو يرويه وجادة ... الخ.
وما كتاب مسلم إلا واحد من هذه الكتب التي وقع فيها الاختلاف، لذلك سنعمد إلى إثبات الآتي:
١ - إثبات أن الإمام مسلماً حدث بالصحيح غير مرة.
٢ - إثبات تفاوت الحفظ عند التلاميذ.
٣ - إثبات الرواية بالمعنى المقاربة للشروط.
إثبات أن الإمام مسلماً حدث بالصحيح غير مرة:
قال ابن الصلاح: اعلم أن لإبراهيم بن سفيان في الكتاب فائتا لم يسمعه من مسلم يقال فيه: أخبرنا إبراهيم عن مسلم، ولا يقال فيه:"قال: أخبرنا"، أو "حدثنا مسلم"، وروايته لذلك عن مسلم إما بطريق الإجازة، وإما بطريق الوجادة، وقد غفل أكثر الرواة عن تبيين ذلك، وتحقيقه في فهارسهم وبرنامجاتهم، وفي تسميعاتهم