وحتى يكون عمله ذلك خاليًا من آفة الغرور وآفة العجب، فلا يرى عملًا يُعجبُ به؛ بل يرى فضل الله الذي يستوجب انكساره وذله لربه، صاعلانه بالعجز عن شكره، ولا يرى نفسه التي تأدى منها العمل، بل يرى نفسه التي هي أسباب القصور في العمل والعجز عن القيام بحق الله تعالى.
سادسًا: إنما يتقبل الله من المتقين:
قال علي - رضي الله عنه -: "كونوا لقبول العمل أشد منكم اهتمامًا بالعمل، ألم تسمعوا الله -عز وجل- يقول:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
وقال بعضهم: لأن أكون أعلم أن الله يتقبل مني مثقال حبَّة من خردل أحب إلى من الدنيا وما فيها؛ لأن الله -عز وجل- يقول:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
وقال بعضهم: كانوا يدعون الله -عز وجل- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم رمضان.
كل ذلك يعني أن رمضان بذهاب أيامه ينقض، وأن وظائف رمضان لا تزال قائمة، وأن ما كان من عمل في رمضان فلا يزال ينادي على المكلفين ويستتبع اهتمامهم بقبول ذلك العمل، بعد ما وقع منهم العمل، فقد كانوا يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا، وكان خوفهم ألا يقبل منهم عملهم أشد عليهم من العمل نفسه، فما يذهب بذهاب مواسم الطاعات الإقبال على الله -عز وجل-، ولا الاهتمام بالأعمال الصالحات.
بل إذا ذهبت مواسم الطاعات؛ بقي بعد ذلك استكمال حقوق هذه الطاعات، واستتمام ما يكون من لوازمها، من النظر فيها، والتفتيش في آفاتها، والحذر من إفشائها؛ حتى تكون أبعدَ عن الرياء.