من الانقياد للأمر إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله -سبحانه وتعالى- كإبليس.
وهذا مما يبين لك: أن الاستهزاء بالله أو برسوله ينافي الانقياد له لأنه قد بلغ عن الله أنه أمر بطاعته فصار الانقياد له من تصديقه في خبره فمن لم ينقد لأمره فهو إما مكذب له أو ممتنع عن الانقياد لربه وكلاهما كفر صريح.
ومن استخف به واستهزأ بقلبه امتنع أن يكون منقاداً لأمره، فإن الانقياد: إجلال وإكرام والاستخفاف: إهانة وإذلال. وهذان ضدان فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى الآخر. فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد.
عدم قبول الأحكام من الله كفر لا خلاف فيه:
الوجه الثالث: أن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر. فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يذعن لله وينقاد فهو إما جاحد أو معاند.
ولهذا قالوا: من عصى الله مستكبراً كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى الله مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة والجماعة وإنما يكفره الخوارج. فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقاً بأن الله ربه فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق.
وبيان هذا: أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال: اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة: بعدم اعتقاد أن الله حرمها وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة. وتارة يعلم أن الله حرمها ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرم فهذا أشد كفراً ممن قبله وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه. ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الأمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس وحقيقته كفر وهذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك ولا ألتزمه وأبغض هذا الحق