وأيضاً فإن الرجل إنما قصد بالكذب نيل شهوته ومثل هذا قد يصدر من الفساق كما يصدر من الكفار.
وأيضاً فإما أن يكون نفاقه لهذه الكذبة أو لسبب ماض، فإن كان لهذه فقد ثبت أن الكذب عليه نفاق والمنافق كافر وإذا كان النفاق متقدماً وهو المقتضي للقتل لا غيره فعلام يؤخر الأمر بقتله إلى هذا الحين؟ وعلام لم يؤاخذه الله -تعالى- بذلك النفاق حتى فعل ما فعل؟
وأيضاً فإن القوم أخبروا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقوله فقال "كذب عدو الله" ثم أمر بقتله إن وجده حياً ثم قال: "ما أراك تجده حياً" لعلمه، صلى الله عليه وسلم، بأن ذنبه يوجب تعجيل العقوبة.
والنبي، صلى الله عليه وسلم، إذا أمر بالقتل أو غيره من العقوبات والكفارات عقب فعل وُصف له صالح لترتيب ذلك الجزاء عليه كان ذلك الفعل هو المقتضي لذلك الجزاء لا غيره، كما أن الأعرابي لما وصف له الجماع في رمضان أمره بالكفارة ولما أقر عنده ماعز والغامدية وغيرهما بالزنا أمر بالرجم وهذا مما لا خلاف فيه بين الناس نعلمه نعم قد يختلفون في نفس الموجب هل هو مجموع تلك الأوصاف أو بعضها وهو نوع من تنقيح المناط فأما أن يُجْعَلَ ذلك الفعل عدم التأثير والموجب لتلك العقوبة غيره الذي لم يذكر وهذا فاسد بالضرورة.
لكن يمكن أن يقال فيه ما هو أقرب من هذا وهو: أن هذا الرجل كذب على النبي، صلى الله عليه وسلم، كذباً يتضمن انتقاصه وعيبه لأنه زعم أن النبي، صلى الله عليه وسلم، حكمه في دمائهم وأموالهم وأذن له أن يبيت حيث شاء من بيوتهم ومقصود بذلك أن يبيت عند تلك المرأة ليفجر بها ولا يمكنهم الإنكار عليه إذا كان محكماً في الدماء والأموال.
ومعلوم أن النبي لم يحلل الحرام ومن زعم أنه أحل المحرمات من الدماء والأموال والفواحش فقد انتقصه وعابه ونسب النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى أنه يأذن له أن يبيت عند امرأة أجنبية خالياً بها وأنه يحكم بما شاء في قوم مسلمين وهذا طعن على النبي، صلى الله عليه وسلم، وعيب له، وعلى هذا التقدير فقد أمر بقتل من عابه وطعن عليه من غير استتابة، وهو المقصود في هذا المكان فثبت أن الحديث نص في قتل الطاعن عليه من غير استتابة على كلا القولين.
ومما يؤيد القول الأول أن القوم لو ظهر لهم أن هذا الكلام سب وطعن لبادروا إلى الإنكار عليه ويمكن أن يقال: رابهم أمره فتوقفوا حتى استثبتوا ذلك من النبي، صلى الله عليه وسلم، لما