تعارض وجوب طاعة الرسول وعظم ما أتاهم به هذا اللعين ومن نصر القول الأول قال: كل كذب عليه فإنه متضمن للطعن عليه كما تقدم. ثم إن هذا الرجل لم يذكر في الحديث أنه قصد الطعن والإزراء وإنما قصد تحصيل شهوته بالكذب عليه، وهذا شأن كل من تعمد الكذب عليه، فإنه إنما يقصد تحصيل غرض له إن لم يقصد الاستهزاء به، والأغراض في الغالب إما مال وإما شرف كما أن المسيء إنما يقصد -إذ لم يقصد مجرد الإضلال -إما الرياسة بنفاذ الأمر وحصول التعظيم أو تحصيل الشهوات الظاهرة.
وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله (١). ا. هـ.
مناطات حبوط العمل دون قصد:
قلت: فهذه الأحاديث السالفة لهي خير بيان لمناط قوله تعالى: (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)[الحجرات: ٢] فمن قدح في عدله، صلى الله عليه وسلم، ظن أن نسبة هذا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقدح في إيمانه برسالته ولا يوجب الكفر به ولا قصده، وكذلك من قدح في حكمه بقوله: أن كان ابن عمتك، وكذلك من قدح في عدله بقوله: إن هذه القسمة لم يرد بها وجه الله، وكذلك أيضاً قول أحد الأعرابيين، واغدراه وقول الآخر: أعطني فإنك لا تعطيني من مالك ولا مال أبيك. لم يقصدا كفراً ولكن هو من جفاء الأعراب ومع ذلك فكل هذا الباب كما قال ابن تيمية: مما يوجب القتل ويكون الرجل به كافراً منافقاً حلال الدم.
فهؤلاء جميعاً قالوا أقوالاً فحبطت بها أعمالهم دون شعور منهم بهذا، وكذلك الرجل الذي ذهب ليفجر بالمرأة مستنداً في ذلك أمام قومها بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد كساه حلة وأذن له في أن يحكم في أموالهم ودمائهم برأيه أراد من هذا تحصيل شهوته دون الكفر والاستهزاء ولهذا جاء في بعض الروايات أنه خرج يتوضأ للصلاة فلدغه أفعى. فهو بعد هذا الإحداث ما زال عند نفسه في عداد المسلمين المصلين من أهل القبلة، بيد أنه في حقيقة الأمر كافر منافق حلال الدم حبط عمله وسعيه وهو لا يشعر.
قال ابن تيمية في قوله تعالى:(... أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) ....