للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوجه الدلالة: أن الله سبحانه نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض لأن هذا الرفع والجهر قد يفضي إلى حبوط العمل وصاحبه لا يشعر فإنه علل نهيهم عن الجهر وتركهم له: بطلب سلامة العمل عن الحبوط، وبين أن فيه من المفسدة جواز حبوط العمل وانعقاد سبب ذلك وما قد يفضي إلى حبوط العمل يجب تركه غاية الوجوب. والعمل يحبط بالكفر قال سبحانه: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) [البقرة: ٢١٧]. وقال تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ). [المائدة: ٥]. كما أن الكفر إذا قارنه عمل لا يقبل لقوله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: ٢٧]. وقوله: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: ١].

وهذا ظاهر ولا يحبط الأعمال غير الكفر، لأن من مات على الإيمان فإنه لا بد أن يدخل الجنة ويخرج من النار إن دخلها ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها، ولا ينافي الأعمال مطلقاً إلا الكفر وهذا معروف من أصول أهل السنة.

نعم قد يبطل بعض الأعمال بوجود ما يفسده كما قال تعالى: (لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى) [البقرة: ٢٦٤]. ولهذا لم يحبط الله الأعمال في كتابه إلا بالكفر.

فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك وأنه مظنة لذلك وسبب فيه، فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوفير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال، ولما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له واستخفاف به وإن لم يقصد الرافع ذلك، فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كفراً فالأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق الأولى (١). ا. هـ.

القول على الله بغير علم أساس البدع والشرك:

قلت: وهذه الأحاديث السالفة الذكر والآية الكريمة هي في أهل القبلة فبمن دان واستقام على الإسلام توضح في جلاء بمفهومها ومنطوقها أن العبد قد يتكلم بالكلمة أو


(١) الصارم المسلول ص: ٤٧.

<<  <   >  >>