الواجب. وقال النووي: في هذا الحديث حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم وإلا أمسك ...
قوله (لا يلقي لها بالاً) بالقاف في جميع الروايات أي: لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئاً وهو من نحو قوله تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ).
وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ "إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة". وقال في السخط مثل ذلك .... وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق قال:"حدثني محمد بن إبراهيم التيمي" بلفظ "لا يرى بها بأساً يهوي بها في النار سبعين خريفاً"(١). ا. هـ.
قلت: مما سبق يعلم أنه ينبغي ويجب على العبد أن يتفحص معنى الكلمة ومآلها وأن يفر من الكلمة التي لا يعرف حسنها من قبحها ولنا جميعاً العبرة والعظة في الرجل الذي كان مجتهداً في عبادة الله ثم قال كلمة أوبقت دنياه وآخرته.
قال صاحب كتاب الأحاديث القدسية أخرج أبو داود بسنده قال أبو هريرة -رضي الله عنه- سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول:"كان رجلان من بني إسرائيل متواخيين فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول له: أقصر، فقال: خلّني وربي، أبعث علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة. فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال (أي الله) لهذا المجتهد: أكنت عالماً بي؟ أو كنت على ما في يدي قادراً؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار". (قلت وأصله في صحيح مسلم) قال أبو هريرة والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
قال الشارح: أوبقت دنياه فأحبطت أعماله الصالحة التي كان يجتهد فيها لكفره بذلك قال تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ...). وأوبقت آخرته فلم تبق لأعماله ثواباً ولا أجراً لذلك استحق أن يقال فيه (اذهبوا به إلى النار).