الخلق" ولا يوصف بذلك إلا الكفار ولقوله "إنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى" ولحكمهم على كل من خالف معتقدهم بالكفر والتخليد في النار فكانوا هم أحق بالاسم منهم. وممن جنح إلى ذلك من أئمة المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي فقال في فتاويه: احتج من كفر الخوارج وعلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصخابة لتضمنه تكذيب النبي، صلى الله عليه وسلم، في شهادته لهم بالجنة، قال: وهو عندي احتجاج صحيح قال: واحتج من لم يكفرهم بأن الحكم بتكفيرهم يستدعي تقدم علمهم بالشهادة المذكورة علماً قطعياً، وفيه نظر لأنا نعلم تزكية من كفروه علماً قطعياً إلى حين موته وذلك كاف في اعتقادنا تكفير من كفرهم، ويؤيده حديث: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما". وفي لفظ مسلم: "من رمى مسلماً بالكفر أو قال عدو الله إلا حاد عليه".
قال وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم فيجب أن يحكم بكفرهم بمقتضى خير الشارع، وهو نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح بالجحود فيه بعد أن فسروا الكفر بالجحود فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من كفروه علماً قطعياً، ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام إجمالا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك.
دلالة الحديث على عدم اعتبار القصد في الردة:
قال الحافظ: وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه، فقال بعد أن سرد أحاديث الباب: فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالماً فإنه مبطل لقوله في الحديث "يقولون الحق ويقرءون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء". ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه. ثم أخرج بسند صحيح عن ابن عباس وذكر عنده الخوارج وما يلقون عند قراءة القرآن فقال: يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه. ويؤيد القول المذكور الأمر بقتلهم مع ما تقدم من حديث ابن مسعود: "لا يحل قتل امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث -وفيه- التارك لدينه، المفارق للجماعة". قال القرطبي في "المفهم" يؤيد القول بتكفيرهم التمثيل المذكور في حديث أبي سعيد يعني الآتي في الباب الذي يليه فإن ظاهر مقصوده أنهم