للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الأمة، و "يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية" و "سبق الفرث الدم" و "يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم". ومعلوم أن القرآن حجة للمسلمين لا عليهم، والصلاة لا تقبل من الكفار، أو لتخلف شرط من شروطها، أو ركن، أو فعل ناقض وليس ثم من ذلك شيء فلم يبق إلا الكفر وقوله، صلى الله عليه وسلم، "يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه". ومعلوم أنهم لو كانوا فيه فما المقصود بقوله، صلى الله عليه وسلم، ثم لا يعودون فيه؟! وقوله: "لا يجاوز إيمانهم حناجرهم". فهذا نص في أن القلب عري عن الإيمان ومعلوم أن إيمان القلب شرط في صحة الإسلام لا يُنتفع إلا به للنجاة من عذاب الدنيا والآخرة. وقوله، صلى الله عليه وسلم،: "هم شر الخلق والخليقة" و "شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي" و "شر البرية" و "من أبغض خلق الله إليه" و "شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض".

فإن هذه الروايات ظاهرة بينة في كفرهم فكونهم شر خلق الله ومن أبغض خلق الله إليه وشر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض فمن المعلوم بيقين أن هذه الصفة لا تكون إلا للكافرين.

فإن قيل إن هذه الروايات مطلقة وتحمل على مقيداتها من الروايات التي تقول "شرار أمتي" فتحمل على أنهم شرار المسلمين أقول وبالله التوفيق.

إنه من المعلوم بالاضطرار من الشريعة أن جماعات من الأمة وقعت في الشرك والردة والرجوع إلى دين الآباء وهم المعنيون بقوله تعالى: (أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). وقوله تعالى: (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). وقوله: (لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ). وكذلك الحديث الذي في البخاري "لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس على ذي الخلصة" (١). قال الحافظ والمسلم وأحمد من حديث ثوبان: ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان" (٢) ا. هـ.

وهذا الحديث مما يؤكد صحة جمع الحافظ -رحمه الله- بين روايتين "من هذه الأمة" و "في هذه الأمة" أن رواية "من هذه الأمة" تطلق وإما يراد بها باعتبار ما قد سلف أو أنهم من


(١) راجع فتح الباري جـ: ١٣ ص: ٨٢.
(٢) راجع فتح الباري جـ: ١٣ ص: ٩١

<<  <   >  >>