ومن المعلوم أن التشبيه هنا في الرؤية والوضوح لا في الشكل والاستدارة (والعياذ بالله من ذلك) وكذلك هنا أن بني إسرائيل طلبوا مشابهة المشركين ولكن في الشرك الأكبر وأنتم طلبتم مشابهة المشركين إلا أنه في الشرك الأصغر، أو أن طلبهم هذا قد يؤول إلى الشرك الأكبر مع طول الزمان لأن البدع يريد الشرك الأكبر، فأول شرك وقع على وجه الأرض كان بدايته تصوير الأصنام على صور الصالحين، ثم لما تنسخ العلم عبدت، فكان تصوير الأصنام ذريعة إلى الشرك فيما بعد مع أن مجرد الوقوف عليه ليس بشرك، وكما حرم في شريعتنا بناء المساجد على القبور أيضاً لهذا المعنى: لأنها تؤول بأصحابها إلى الشرك الأكبر.
فإن قيل فإن كان سؤالهم مجرد المشابهة فلم قال صلى الله عليه وسلم:"قلتم كما قالت بنو إسرائيل"؟ قيل: هذا من باب ما يؤول إليه الأمر ومن باب التغليظ كما غلظ النبي -صلى الله عليه وسلم- على من قال له "ما شاء الله وشئت، فقال أجعلتني لله نداً".
قال الشاطبي: - في معرض اتباع الأمم السابقة خاصة أهل الكتاب في بدعهم -قال فقوله، صلى الله عليه وسلم:"حتى تأخذ أمتي بما أخذ القرون من قبلها". يدل على أنها تأخذ بمثل ما أخذوا به إلا أنه لا يتعين في الاتباع لهم أعيان بدعهم، بل قد تتبعها في أعيانها وتتبعها في أشباهها، فالذي يدل على الأول قوله "لتتبعن سنن من كان قبلكم". الحديث فإنه قال فيه:"حتى لو دخلوا في جحر ضب حرب لاتبعتموهم". والذي يدل على الثاني قوله:"فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، فقال عليه السلام هذا كما قالت بنو إسرائيل: اجعل لنا إلها" الحديث.
فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله لا أنه هو بنفسه، فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه ما لم ينص عليه مثله من كل وجه والله أعلم (١). ا. هـ.
طلب القوم مجرد المشابهة:
فهذا النص من الإمام الأصولي يدل على أن: القوم لم يطلبوا الشرك الأكبر بل مجرد المشابهة وأنه يشبه طلب بني إسرائيل لا أنه هو بنفسه، وأنه لا يلزم التشابه بينهما من كل وجه فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه، ما لم ينص عليه من كل وجه.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أن ساق الحديث في باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما -فيه مسائل-.