بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ "، بين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن وأن العيب حادث طارئ. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فيما يروي عن الله: "إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا". ولهذا ذهب الإمام أحمد -رضي الله عنه- في المشهور عنه: إلى أن الطفل متى مات أحد أبويه الكافرين حكم بإسلامه لزوال الموجب للتغيير عن أصل الفطرة وقد روى عنه وعن ابن المبارك وعنهما أنهم قالوا: "يولد على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة" وهذا القول لا ينافي الأول فإن الطفل يولد سليماً وقد علم الله أنه سيكفر فلا بد أن يصير إلى ما سبق له في أم الكتاب كما تولد البهيمة جمعاء وقد علم الله أنها ستجدع ... " إلى أن قال "ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق: الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلماً. وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع: هي فطرة الله التي فطر الناس عليها (١) اهـ.
قلت: انظر رحمك الله إلى قول شيخ الإسلام أن العهد هو الفطرة التي فطر الله جل ثناؤه الناس عليها، وأن الله فطر كل نفس على قبول الحق والسلامة من الاعتقادات الباطلة، وأن هذه الفطرة لو تركت بلا مغير لما كان صاحبها إلا مسلما، وبهذا يعلم أن: المشرك قد نقض العهد والميثاق المأخوذ عليه.
وبعد هذه النُقول في هذه الآية أقول: هل بعد هذا النص القاطع المحكم في دلالته من نص، وهل بعد برهانه من برهان، وهل بعد بيانه من بيان، وقد اتفق المفسرون السالف ذكرهم على أن هذه الآية حجة مستقلة في الإشراك، فقال القرطبي: لا عذر لمقلد في التوحيد، والطبري أبطل احتجاج المشركين بالغفلة والاتباع المحض بحجية الميثاق، وكذلك البغوي والشوكاني، وقال ابن كثير: جعل هذا الإشهاد حجة مستقلة عليهم في الإشراك، وقال ابن القيم: إن إقرارهم بالربوبية تقوم به الحجة وهو الذي احتج المولى به