عليهم على ألسن رسله يحتج عليهم به ويدعوهم به إلى الإقرار بالإلهية، وقال: إن هذه طريقة القرآن، وأبطل احتجاجهم بالغفلة والجهل وتقليد الآباء بحجج بينة لا ترد، وقال: إن العقل الذي يعرفون به التوحيد حجة في بطلان الشرك، لا يحتاج ذلك إلى رسول، وأنه قام بهم ما يستحق به العذاب، غير أنه لكمال رحمة الله التي وسعت كل شيء فقد وقف العذاب على قيام الحجة الرسالية.
فهذه الآية قد قطعت شتى أنواع الأعذار التي يحتج بها بنو آدم في عبادة غير الله تعالى.
إن الله -جل ثناؤه- خلق الكون من أجل عبادته وحده لا شريك له، تلك القضية التي لها أنزلت الكتب، وبها أرسلت الرسل، ومن أجلها قام سوق الآخرة وأعد الله -سبحانه- الجنة والنار جزاء من وفّى بها أو نقضها.
وقبل أن أختم الحديث في هذه الآية أعرض لشبهة عرضت لبعض الإخوة غفر الله لي ولهم. وهي أن الإشهاد كان في الربوبية دون الإلهية وبالتالي فهي حجة في شرك الربوبية دون الإلهية.
أقول وبالله التوفيق: أولاً قول: جماهير من السلف والخلف -وعلى رأسهم ابن تيمية وابن القيم وابن كثير-، أن الإشهاد مجازي وهو: الفطرة التي فطر الله الناس عليها يردّ على هذا الزعم. لأن الفطرة هي: الإسلام كما نقلت عن ابن تيمية وكما نقل ابن القيم عن ابن عبد البر في المصدر السابق (١) أثناء الحديث عن آية الميثاق أنهم أجمعوا -أي أهل التفاسير- على أن الفطرة هي الإسلام، والأحاديث الصحيحة الصريحة على هذا.
منها: قول النبي -صلى الله عليه وسلم:"فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". ولم يقل أو يمسلمانه وكذلك الرواية التي في صحيح مسلم القاطعة في الاحتجاج (على هذه الملة) وغيرها من الأحاديث، وكذلك تفسير أبي هريرة -رضي الله عنه- الآية:(فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا). بأنها الإسلام ولا أريد أن أستفيض في هذه المسألة لشهرتها وكثرة أدلتها فهي في غنى عن التدليل عليها.