للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كقوله: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى، وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى). فهذا لا يكون إلا بعد الرسول، مثل قوله عن فرعون (فَكَذَّبَ وَعَصَى) كان هذا بعد مجيء الرسول إليه كما قال -تعالى-: (فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى، فَكَذَّبَ وَعَصَى). وقال: (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) (١). اهـ.

وقال ابن القيم (٢): إذ ههنا أمران متغايران أن لا تلازم بينهما أحدهما: هل الفعل نفسه مشتمل على صفة اقتضت حسنه وقبحه بحيث ينشأ الحسن والقبح منه، فيكون منشأ لهما أم لا؟.

والثاني: أن الثواب المرتب على حسن الفعل، والعقاب المترتب على قبحه ثابت، بل واقع بالعقل، أم لا يقع إلا بالشرع؟ ....

والحق الذي لا يجد التناقض إليه السيل: أنه لا تلازم بينهما، وأن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة، كما أنها نافعة وضارة ...

لكن لا يترتب عليهما ثواب ولا عقاب، إلا بالأمر والنهي. وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحاً موجباً للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل. فالسجود للشيطان والأوثان والكذب والزنا والظلم، والفواحش كلها قبيحة في ذاتها، والعقاب عليها مشروط بالشرع.

فالنفاة يقولون: ليست في ذاتها قبيحة، وقبحها والعقاب عليها، إنما ينشأ بالشرع.

والمعتزلة تقول: قبحها، والعقاب عليها ثابتان بالعقل.

وكثير من الفقهاء، والطوائف الأربع يقولون: قبحها ثابت بالعقل، والعقاب متوقف على ورود الشرع. وهذا الذي ذكره: سعد بن علي الزنجاني من الشافعية، وأبو الخطاب من الحنابلة، وذكره الحنبلية، وحكوه عن أبي حنيفة نصاً، لكن المعتزلة منهم يصرحون: بأن العقاب ثابت بالعقل.

وقد دل القرآن على أنه لا تلازم من الأمرين، وأنه لا يعاقب إلا بإرساله الرسل، وأن الفعل نفسه حسن وقبيح، ونحن نبين دلالته على الأمرين.


(١) جـ: ٢٠ ص: ٣٧: ٣٨ لمجموع الفتوى.
(٢) مدارج السالكين جـ: ١ ص: ٢٤٦: ٢٥٦ - دار الكتاب العربي.

<<  <   >  >>