للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: فهل بعد تنصيص هذا الحديث على هذا المسألة من نص على أنه لا ينجو من الخلود في النار في الآخرة إلا من كان لا يشرك بالله شيئاً ممن نطق بالشهادتين وأنه لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد مستيقناً به قلبه. لذلك جاء في الحديث الآخر في صحيح مسلم أيضاً: قال -أي رسول الله، صلى الله عليه وسلم- "فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود- قال ابن عبيد في روايته، قال قتادة أي وجب عليه الخلود-". قال النووي: قوله، صلى الله عليه وسلم: "ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن" أي وجب عليه الخلود. وبين مسلم رحمه الله -تعالى- أن قوله -أي: وجب عليه الخلود -هو تفسير قتادة الراوي وهذا التفسير صحيح ومعناه من أخبر القرآن أنه مخلد في النار وهم الكفار -كما قال الله -تعالى- (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)، وفي هذا دلالة لمذهب أهل الحق وما أجمع عليه السلف أنه لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد والله أعلم (١) اهـ.

وكذلك الحديث الذي في صحيح مسلم: " ... وذاك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة ... ". وفي رواية أخرى: "ألا لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة اللهم بلغت اللهم فاشهد". قال النووي: قوله، صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة". هذا نص صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلاً وهذا النص على عمومه بإجماع المسلمين (٢) اهـ.

قلت: فهذه القاعدة متواترة في نصوص الشريعة وفي نصوص العلماء وهي أن النطق مرتبط بالعلم وهو شرط في انتفاع العبد ونجاته وهو أول واجب عليه.

قال ابن تيمية: وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد الخليدي: في كتابه "شرح اعتقاد أهل السنة" لأبي علي الحسين بن أحمد الطبري وهذا لعله ممن أدرك أحمد وغيره، قال الخليدي في معرفة الله: وهي أول الفرض الذي لا يسع المسلم جهله ولا تنفعه الطاعة -وإن أتى بجميع طاعة أهل الدنيا- ما لم تكن معه معرفة وتقوى، فالمسلم إذا نظر في مخلوقات الله -تعالى- وما خلق من عجائبه مثل دوران الليل والنهار والشمس والقمر وتفكّر في نفسه وفي مبدئه ومنتهاه فتزيد معرفته بذلك. قال الله -تعالى-: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (٣) [الذاريات: ٢١]. اهـ.


(١) راجع صحيح مسلم بشرح النووي جـ: ٣ ص: ٥٨، ٥٩.
(٢) راجع صحيح مسلم بشرح النووي جـ: ٣ ص: ٩٦.
(٣) جـ: ٢ ص: ٢ لمجموع الفتاوى في الهامش من الكتاب.

<<  <   >  >>